الأسرة حياة شركة.. بطلتها الأم
نقرأ في سفر الأمثال: “اِمرأةٌ فاضِلةٌ مَنْ يَجدُها لأنَّ ثَمَنهَا يفوقُ اللآلِئ” (أمثال 10:31). نحتفل في شهر مارس بعدةٍ مناسبات هامة تخص الأسرة سواء يوم المرأة العالمي أو المصري أوعيد الأسرة، إذاً نستطيع أن نلقي الضوء على الدور الهام الذي تقوم به الأم في محيط الأسرة وخارجها، كما أن دَور الرجل لا يقل أهمية، وواجب على الأبناء طاعة والديهم. نستهل هذا بصلاةٍ نابعة من القلب عن الحياة الزوجية كتبها الكاتب والناقد Niccola Tommaseo (1874-1802) وفيها يقول: “يارب امنحنا سعادةً نقية وآلاماً مُحتملة وحبّاً صبوراً ووفاقاُ سعيداً وقوياً في عمل الخير. امنحني طعاماً لزوجتي، وإذا كان لي نصيباً في أن أُصبح أبّاً؛ أعطني حياةً وفضيلة أستطيع بهما تربية أبنائي. لكن إن كانت أيامي معدودة في هذه الحياة؛ ففي يديك أستودع هذه القطعة من جسدي. أطلبُ منك أيضاً أن تساعدني في تشجيع وتعضيد الأخوة بالمثل الصالح والكلمة الطيبة والقدوة الحسنة. باركنا يارب لأننا بك نبتهج خاشعين وفيك نستريح سواء كنّا حزانى أو فرحين”.
كم هي بسيطة هذه الصلاة وتعبّر عن نبض الأسرة وكيف تحيا الأمور اليومية المعتادة التي بها ينسج وجوده الأسري بكل صفاءٍ وطمأنينة وحُب، كما أنه يطلب من الله أن ينفتح على الآخرين ويفكّر في الأخوة ولا ينساهم حتى ولو كان مرتبطاً بحياته الأسرية، وبذلك يستطيع أن يَشِعْ على الغير بالسعادة والحُب اللذين وهبهما الله لهما، حتى أنه يضع حياته كلها في يد الله بإتمام وصاياه ومشيئته مستودعاً نهايته بكل ثقةٍ وسلام في الله مصدر وجوده. كما يجب علينا ألا ننسى دَور الأم والزوجة والمرأة التي وهبها الله قوّة لتحمّل الآلام والمشقات من أجل الحُب، لأنها هي تلك الإنسانة العجيبة التي لا مثيل لها، فقد خلقها الله من معدن الخير ورواها بالحُب والحنان والرحمة، فهي ذلك القلب الطيب الذي من أليافه الطاهرة، نسج ما فينا من لحمٍ وعظم. إنها رمز العطاء اللا محدود، فقد منحها الله عينين تُعبّر بهما عن حُبّها دون كلام، وبهما تقول لكل شخصٍ في أسرتها: “أنا أحبك وأثق فيك وأصدّقك وأقدّر ظروفك، وأشعر بآلامك وأقْبَلَك مهما كانت عيوبك، وأفرح بنجاحك وأهتم بأمرك، وأرى الجمال الكامن في داخلك.
كما أن الله وهبها أذنين لتسمع صوت الآخرين، وتنصت لكلماتهم، وتصغي لأنّاة قلبهم، وتلتقط همساتهم؛ لقد وهبها الله فماً تدعو به بالخير، وتنطق بالحق ولا تسرع بالحكم عليهم. ووهبها الله ابتسامةً مهما كانت الظروف المحيطة بها، حتى أنها تجتاز آلامها لتصل بها إلى القلب، وتبعث في قلوب الجميع بهجةً وسلاماً وطمأنينة ودفأً. وبهاتين اليدين تفيض خيراً وحناناً وعطاءً وخدمة بدون ملل أو كلل. حتى أن قلبها يحنو على الجميع ويمدّهم بالحُب والغفران. لذلك نطلب من الله أن يعلّمنا أن نرى في كل امرأةٍ ما وراء الجمال الطبيعي، أي روح التضحية والحنان والحُب، فالأم الحقيقية لا يقتصر حنانها على بيتها وأبنائها فقط، بل تعتني بالجميع وتسهر على تربيتهم. كما يأتي دور الأبناء في طاعة والديهم، وكما يقول سفر الأمثال: “إسمَعْ يا بُنَيّ، تأديب أبيكَ ولا تنبذ تَعْليمَ أُمِّكَ. فإنهما إكليلُ نِعمةٍ لِرأسِكَ وأطواقٌ لِعُنِقَكَ” (1: 8-9).
كم من الأبناء دمّروا حياتهم بسبب عصيانهم لوالديهم؟ كم من الأبناء اعتبروا والديهم “موضة قديمة”؟ ونُلخِّص تصرّفهم بهذا التشبيه: عندما يكون الابن في سن الخامسة من عمره يقول: “أبي أذكى شخص في العالم”، وفي سن العاشرة يقول: “تقريباً والدي أذكى واحد في العالم”، وفي سن الخامسة عشر يقول: “أنا أذكى منه”، وعندما يصل إلى العشرين من عمره يقول: “مسكين والدي محروم من الذكاء”، وفي سن الثلاثين، يصرّح هكذا: “في الأشياء الهامة، أطلب مشورة والدي”، وفي سن الأربعين يعترف قائلاً: “آه، لو كنتُ استشرت والدي!”، وفي سن الخمسين يقول متحسّراً: ” يا ليت والدي على قيد الحياة!”.
إذاً نجاح الأسرة ينبع من دور كل واحدٍ فيها، ليست تضحية الوالدين فقط التي تُكَافَئ أحياناً كثيرة بجحود الأبناء. كم من الأمهات والآباء الذين بذلوا كل ما يملكون من طاقة حُب لرفع شأن أولادهم، ولكن للأسف بعض الأبناء يتصرفون بطريقةٍ تُحزن قلب والديهم؟ ونختم بكلمات الشاعر:
” ولم أرَ للخلائق من محلٍّ يهذّبها كحُضنِ الأمهات
فحُضن الأم مدرسةٌ تسامت بتربية البنين أو البناتِ”.