شبح الإلحاد يعود من جديد
الإلحاد هو إنكار وجود الله، فذلك الكون وجد بلا خالق عند هؤلاء الملحدين، والمادة أزلية وقد خلقت نفسها.. بالطبع كلام يشبه الهلاوس، لكنه وجد تجاوبا من ملايين البشر في هذا العالم منذ بدأت تلك الأفكار بالظهور وإلى اليوم.
وهكذا نجد أن الإلحاد في معناه يختلف عن الكفر، فالكافر يعترف بوجود إله خلق هذا الكون، ولكنه ينكر الرسالات أو بعضها، ولفظة الكفر تعني عند أهل اللغة ستر الشيء وتغطيته لإخفائه، أي أنه بالفعل موجود لكن يتم إنكاره.
الإلحاد يعتبر البدع الجديدة
والإلحاد يعتبر من البدع الجديدة التي لم تكن موجودة في القدم إلا نادرا جدا عند بعض الفلاسفة اليونانيين، ولكن كانت بداية ظهوره بقوة على يد العالم والجراح الإنجليزي "داروين" والذي أسس نظرية "التطور" أو ما سماه النشوء والارتقاء، وتقول إن كل المخلوقات الحية على مر الزمان تنحدر من أسلاف مشتركة.
ومن المشهور عنها أن الإنسان يأتي من سلالة القردة ومع التطور أخذ الشكل الحالي، وكل المخلوقات الحية نشأت من خلية حقيرة كانت توجد في مستنقع آثن على حد وصفه، وتعتمد هذه النظرية على إنكار وجود الخالق ومن ثم إسقاط كل الأديان، وللأسف وجدت هذه النظرية أصداء واسعة في حينها، وفتحت الطريق بعد ذلك لفكرة الإلحاد ومن أشهر من تأثروا بها واعتمدوا عليها في فكرهم كان الفيلسوف الألماني "كارل ماركس" مؤسس الشيوعية التي أصبحت بعد ذلك مرجعية لدول عديدة، ومنهجا للملايين.
ولعل أكثر ما تميز به ماركس هو فكره الاشتراكي في الاقتصاد، حيث إن الاشتراكية هي النظام الاقتصادي للشيوعية، وهناك من اعتمد الاشتراكية في فترة من الفترات دون اعتناق الفكر الشيوعي كمذهب ديني أو سياسي، كما كان عليه الحال في مصر إبان فترة الستينيات حتى نهاية السبعينيات تقريبا، وأيضا من أشهر الفلسفات التي تتبنى فكرة الإلحاد هي "الفلسفة الوجودية" وتعد تحررا من الفكر الماركسي، وقد تعارضت معه بعض الشيء بدعوى أنه لا تعطي الإنسان الحرية المطلقة.
ولعلها من أكثر الفلسفات والنظريات الإلحادية انتشارا نظرا لأنها تتخفى في ثوب الحركة الثقافية، وترتبط بالأدب أكثر منها إلى الفلسفة، وذلك لأن أول من أطلق مصطلح الوجودية هو الأديب الفرنسي "جان بول سارتر" وهناك مدرستان إحداهما تعترف بوجود الخالق مع رفضها للأديان، وأخرى إلحادية تنكر وجوده تماما، وتلك الأكثر شهرة والأقوى انتشارا، وتقوم فكرتها على تخلص الإنسان من كل موروث عقدي أو أخلاقي وممارسه لحياته بحرية مطلقة دون قيود نهائيا.
وقد بدأت هذه الفلسفة في الظهور منتصف القرن العشرين ثم خفتت في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات، ولكن اللافت للنظر أن الإلحاد بشكل عام والفكر الوجودي خاصة بدأ في الظهور من جديد، وبين أوساط الشباب بشكل خاص، وإن كان ذلك على استحياء بعض الشيء نظرا للطبيعة التي نحن عليها، ومكانة التدين في مجتمعاتنا حتى ولو لم نلتزم به بشكل صحيح.
إلا أن ذلك يمثل خطرا شديدا على البنية الأخلاقية للمجتمع، لأن هذه الأفكار الشاذة تحمل انفلاتا أخلاقيا لا حدود له، وربما يتعارض مع الفطرة السوية للإنسان، وأيضا يتم إلقاء الكثير من الشبهات في قلوب الناس ومن ثم تشويشهم واعتناقهم لمبدأ الإلحاد بديلا عن الإيمان خاصة في ظل هذه الأمية الدينية التي أصبحت منتشرة، حتى بين من يرتادون المنابر ويقدمون أنفسهم عبر الشاشات على أنهم من رجال الدعوة، وهم أبعد ما يكونون عنها ويرجع ذلك إلى عدة أمور منها.
أولا: أن النفس البشرية في العموم تطوق إلى التحرر والانفلات ولا تستقيم الأمور إلا بوجود الوازع الديني والأخلاقي.
ثانيا: ما يجعل هؤلاء فريسة سهلة لتلك الأفكار أنهم لم ينطلقوا من قاعدة إيمانية راسخة، وعقيدة قوية تحميهم من الشبهات التي تلقي في نفوسهم، من خلال ما يقرؤونه أو ما يسمعونه، فهم لم يتذوقوا حلاوة الإيمان مرة بقلوبهم.
ثالثا: ظنهم بأن العقل لا محدود، وأنه يستطيع إدراك كل شيء، ولذلك فإنه طالما لم يدرك الخالق يكون غير موجود من الأساس، وهم في ذلك مخطئين تماما.
لأن العقل مهما كانت قدرته فإنه محدود بالزمان والمكان بالفعل، والدليل أنني مهما كانت قوة عقلي لا أستطيع معرفة ما يجري خارج جدران الحجرة التي أجلس بداخلها، فكيف لذلك العقل المحدود أن يدرك خالقه، وهل يستطيع المخلوق إدراك الخالق واستيعابه؟
رابعا: وذلك الأهم.. فإن معظم هؤلاء تبدأ لديهم هذه الأفكار مرتدية ثوب التحضر والحداثة، ويتم خداعهم بمصطلح التنوير، فيفتنون بتلك العناوين البراقة خاصة وهى تتعامل مع الأديان على أنها أفكار عقيمة، لا تقوم على إعمال العقل، وإنما هو إتباع أعمى، وذلك عين الخطأ ومنتهى الجهل، والمشكلة الأكبر تكمن في وجود كثيرين يؤمنون بكل ما جاءت به هذه النظريات الإلحادية، ويحاولون تطبيقها فى حياتهم، بل والترويج لها بينما لا يدركون ما هم عليه من إلحاد خفي.
إذن يجب على كل شخص يريد الاطلاع والقراءة في تلك الفلسفات من باب العلم بالشيء، أن يعمل على تثبيت العقيدة بداخله أولا، من خلال بناء قاعدة إيمانية قوية، تكون كفيلة بطرد كل شبهة من قلبه قبل تشربها والتأثر بها، وإلا جعل نفسه عرضة للإلحاد وإن لم يكن يقصد ذلك أو يشعر به.
ويجب أن يعلم الجميع أن الدين الحق لم يكن يوما يتعارض مع فكرة التحضر والتطور أبدا، وأوضح دليل على ذلك أن القرآن الكريم في الكثير من الآيات حث على طلب العلم وكانت أول كلمة فيه هي اقرأ.