غزة والوضع السياسي والحوار الوطني ومسائل أخرى.. أين نحن؟
-إدارة أزمة غزة الأخيرة كشفت عن فهم سياسي بعيد لمتخذي القرار
-الشعب المصري لم ينفجر!
-الوضع السياسي.. كيف هو؟
-الحوار الوطني لماذا توقف وما المخرجات التي تم تنفيذها؟
-مجلس أعلى للاقتصاد.. متى يرى النور؟
-التعديل الوزاري هل يتأخر عن الآن؟
-لجنة العفو الرئاسي.. هل من مزيد؟
-انتخابات البرلمان المقبلة.. هل نشهد مساحة أكبر للمعارضة؟
انشغلنا طوال الفترة الماضية التي بدأ التعبير عنها على أنها أسابيع ثم وصلت إلى شهور بالعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة الفلسطيني وراح ضحيته ما يقرب من 35 ألفا من سكان القطاع وعشرات الآلاف من الجرحى، وخلّف أضرارا بالبنية التحتية الحيوية في غزة تُقدر بنحو 18.5 مليار دولار، وتعرّض 75% من سكان القطاع للتهجير وخلف كمية هائلة من الحطام والأنقاض تقدر بنحو 26 مليون طن قد تستغرق سنوات لإزالتها والتخلص منها.. وهذه الأرقام الأخيرة جاءت ضمن تقرير صادر عن تقييم مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة لأضرار البنية التحتية في غزة.
وبالتأكيد مهما كانت القضية أو الأزمة فلن تأخذ أبدًا موقع أو أهمية القضية الفلسطينية لدى هذا الشعب فهي بالنسبة له القضية الأولى والمحورية وعلى مدار العقود الماضية كانت الأزمة الفلسطينية هي العامل الرئيسي في تحديد سياسية مصرية الخارجية وبوصلتها التي تتحرك على أساسها ومن أجل بذلت الجهود حتى في أكثر لحظاتها حرجًا بعد عام 2000 على سبيل المثال وساطتها في صفقة جلعاد شاليط وسط غليان داخلي وصل إلى مرحلة غاية في الخطورة.
منذ اليوم الأول للأزمة الأخيرة دخلت مصر على الخط، وأدرك صناع القرار فيها أن الأمر يختلف هذا المرة، وأن الهدف أبعد وأكبر بكثير من كونه شن حرب على القطاع، ولكنه تصفية كاملة وتامة للقضية الفلسطينية، وعلى ذلك بدأ مسؤولو الملف الفلسطيني في مختلف الجهات المعنية في التحرك على أساس واضح وهو رفض تام للتصفية بالتهجير، وأن مصر لن تكون أبدًا جزءًا من أي محاولات لإنهاء تلك القضية مهما قدم العالم من شيكات على بياض للقاهرة.
تحرك المفاوض المصري وكان الأكثر نشاطًا، وضغطت مصر وتمكنت من إجبار إسرائيل ومن ورائها ازدواجية الغرب على إدخال المساعدات لقطاع غزة، وقدمت الكمية الأكبر منها بجهد مجتمعي وحكومي غير مسبوق، ووصلت إلى تهدئة أولى، ثم دخلت في مفاوضات أكبر وأعمق وضغطت على جميع الأطراف، مُستخدمةً أوراق ضغط أكثر قوة من تلك التي روّج لها بعض المزايدين ومقاومي منصات التواصل.
وكشفت الأزمة تمامًا عن العديد من الأمور الأول منها أن قراءة سريعة ودقيقة للتطورات تمت من جانب جهات الدولة المسؤولة والمعنية – أن مصر كانت مستعدة ومتوقعة لانفجار إقليمي، ولديها السيناريوهات الكاملة للتعامل معه- أن القضية الفلسطينية كانت وستبقى هي المحورية بالنسبة للدولة المصرية- أن المفاوض المصري يجيد التعامل واستغلال أوراق الضغط التي يمتلكها ويعرف متى يلوح بها.
كل هذا تم وجرى في وقت كان الداخل المصري أيضًا يحفل بالعديد من الأمور منها الانتخابات الرئاسية التي تمت وجرت – بإشراف قضائي- وحقق الرئيس السيسي فيها فوزًا كاسحًا، وفي رأيي أن موقفه من القضية الفلسطينية ساهم في زيادة أعداد المصوتين له، وإلى هذا أيضًا كان الوضع الاقتصادي على درجة عالية من التأزم، ووصل على حد وصف البعض إلى مرحلة صعبة جدًا كانت فيها كل التوقعات تشير إلى قادم أسوء.. لكن هل حدث هذا؟
بالتأكيد لم يحدث هذا، وفي كل الأحوال لم أقتنع أبدًا بنظرية أن العالم لن يدع مصر تسقط، وكل تلك العبثيات التي كان يتم ترديديها في وسائل إعلام بعينها منها المقال الغامض لـ فورين بوليسي، لكن مصر وما لديها من مقومات وموارد والثمن الذي دفعته بالتأكيد في استقبالها للملايين من اللاجئين في مناطق الصراعات، بينما كانت دول أخرى تعمل على تغذية تلك الصراعات وأيضًا تأثرها بالحرب الروسية الأوكرانية؛ جميعها كانت مؤشرات بأن صناع القرار يدركون حساسية الوضع، وأنهم لن يسمحوا بالانهيار، وجاءت الصفقة الأضخم رأس الحكمة وساهمت في موازنة الوضع الاقتصادي والمالي لمصر وفتحت أبوابًا أمام استثمارات أخرى.
***
الحوار إلى أين؟
انتهت الانتخابات التي عطل أثناء إجرائها الحوار الوطني بناء على قرار من مجلس الأمناء، وبعد الانتخابات تم استناف الحوار بجلسات اقتصادية متخصصة قليلة جدًا، وربما لا تتناسب على الإطلاق مع حجم قضايانا الاقتصادية التي تحتاج لمناقشات حقيقة وأكثر عمقًا بكثير عما تم في تلك الجلسات التي دخل الحوار بعدها في حالة توقف، فلا جديد صدر عن مجلس أمناء الحوار الوطني يشير إلى استنئاف في القريب.
ومن هنا نسأل عن التوصيات التي خرجت في المرحلة الأولى من الحوار والتي رفعت توصياتها لمجلس الوزراء،7 وبالفعل هناك لجنة حكومية ولجنة من مجلس أمناء الحوار الوطني تتابع خطوات التنفيذ وإلى الآن لم أشاهد أي أثر لتوصيات الحوار الوطني على أهميتها وباعتبارها صادرة من توافق مجتمعي وسياسي ربما هو الأكبر في تاريخ مصر السياسي.
لا أحد يحدثنا حتى الآن عن الموقف بشكل واضح ودقيق، ماذا سيتم في القضايا الأبرز التي نوقشت في الحوار المجالس المحلية ومتى تجري انتخاباتها زيادة أعضاء مجلسي النواب والشيوخ وكيف سيحدث، القوائم الانتخابية وهل ستكون بالنظام النسبي أو المطلق أم المختلف خصوصًا أن الأحزاب وأن كانت جادة عليها أن تبدًا من الآن الاستعداد للانتخابات المقبلة 2025.
التوصيات الأخرى في الملف الاقتصادي ومراجعة السياسات التي تم تطبيقها في السنوات الأخيرة وكيف وأليات جذب الاستثمار الأجنبي والعربي، وتعدد جهات الاختصاص وكيف سي، عالج هذا الأمر، المجلس الأعلى للشئون الاقتصادية وهل ينفذ هذا المقترح، وإعادة التفاوض بشأن الديون وكيف سيتم هذا وتوصية إجراء دراسات جدوى للمشروعات القومية والاستثمارات الخاصة بالدولة.. وتعيين وزير للاقتصاد.
***
التعديل الوزاري هل يتأخر أكثر؟
ربما تفتح التوصية الأخيرة التي ذكرت في الأعلى الباب للسؤال عن التغيير الوزاري المرتقب والذي طال انتظاره خصوصًا أن التعديل الأخير قبل عامين لم يسفر عن سياسات مختلفة، وبالتأكيد هناك حالة من الترقب في الفترة الحالية للتعديل القادم والوزارات التي سيشملها والتعديلات التي سيتضمنها على شكل الحكومة الحالي سواء بدمج وزارات أو إضافة وزارات جديدة مثل وزارة الاقتصاد.
أنتظر أنا وغيري بالتأكيد ماذا سيتم في هذا الملف خاصة بعد حالة الإفراط في تدوال المعلومات والأخبار عن هذا الأمر من جانب بعض الشخصيات الصحفية والإعلامية وبالتأكيد يجب أن ينطلق التعديل القادم من أساس واضح وهو الوضع الاقتصادي واختيار شخصيات قادرة على التعامل معه، بخبرات كافية وواسعة، تضمن تغير في السياسات ففي الحقيقة لا أجدى معنى أبدًا لما يقال ان الوضع الحالي يحتاج لتغيير سياسات لا أشخاص فالسياسات هي في عقول منفذيها تتغير وتتحرك برحيلهم.
والحال في الحكومة هو الحال في حركة المحافظين – قانونيًا حالين جميعهم قائمين بالأعمال- فهناك محافظات تعاني من أوضاع بائسة جدًا ومحافظون لا يتحركون على الإطلاق، وربما هم جزء من حالة السخط لدى المواطن، وبالتأكيد من الأفضل أن تكون حركة المحافظين شاملة وواسعة لا الاكتفاء بأن تشمل عددا قليلا من المحافظات.
***
الوضع السياسي!!
ومن كل تلك الملفات بالتأكيد من الضروري الانتقال إلى أسئلة أخرى هامة عن الوضع السياسي، وبالتأكيد هناك حالة من الاستقرار السياسي تشهدها مصر فهناك رئيس أمامه سنوات ست قادمة، ومجلسا نواب وشيوخ، بالتأكيد هناك ملاحظات عليهم وعلى أدائهم، ومن هنا ننطلق إلى مكونات النواب والشيوخ وهي الأحزاب.
في مصر لدينا أحزاب توصف بأنها أحزاب موالاة تؤيد سياسات الدولة الحالية، وهي تمتلك الغالبية في البرلمان، وهي الأكثر تفاعلًا مع الشارع ووجودا على الأرض، وهنا لا أتفق مع المبرر الذي يسوقه البعض وأن الأمر يعود إلى فتح الدولة المجال لها، ولكن ببساطة إلى اختيار تلك الأحزاب شخصيات شعبية تمتلك نفوذًا وشعبية بين مواطني المناطق التي يعيشون فيه على عكس أحزاب المعارضة التي تعتمد على أشخاص من نوعية أخرى.
ومن هنا يجب على جميع الأحزاب والمعارضة خصوصًا أن تستعد إلى معركة كبيرة في الانتخابات المقبلة، ستكشف عن من سيستمر في الساحة السياسية ومن سيختفي تمامًا، وتوقعي الشخصي أن أحزاب المعارضة ستحصل في الانتخابات المقبلة على نسب كبيرة من مقاعد المجلسين خصوصًا حزبي المصري الديمقراطي والعدل.
ومن هنا أيضًا أنطلق إلى أداء لجنة العفو الرئاسي ولماذا لم يتم الإعلان عن قوائم جديدة، متمنيًا أن يخرج من يوضح الموقف حاليًا خصوصًا مع علمي أن أشخاصًا يتم الإفراج عنهم من غير الشخصيات المشهورة والتي تخرج دائمًا مطالبات بالإفراج عنها.