الإثنين 23 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

تجارة النخاسة وأبعادها في المجتمع اليوناني والروماني

الأربعاء 22/مايو/2024 - 04:29 م

هدف المقالة الإبحار في أغوار دوران التاريخ الذي وضع قواعد الاستعباد، وساعد على تأصيل فكرة الإبادة، فقد بذل العديد من المؤرخين والدارسين في الشأن الإفريقي جهدًا في موضوع تجارة الرقيق وتطور وازدهار التجارة من صيد عشوائي إلى مؤسسة كبيرة للعبودية تضم أكبر عددًا من العبيد الأسود في الزرائب والأكواخ.

 

وهناك الكثير من الدراسات ترصد نفس الحالة حيث التجارة وحملات الاقتناص، وما تحمّله زنوج أفريقيا وأصحاب البشرة السوداء في أنحاء العالم وفي الحضارات المختلفة، وما أنزله الأوربيون بهم من فظائع وشرور وآثام، وكيف حاولت أمريكا طمس الحقائق حول الفظائع التي لحقت ونزلت على جميع الأفريقيين. بمَا أننا رصدنا بعض ما حدث، واستدعت الدراسة معها الشعور بالبغض والتحامل النابع من الكراهية تجاه المستعمرين، نجد أن نظام الرقيق في العالم والمجتمعات العربية والغربية أثر في الدول والحضارات. 

السؤال هنا: ما أثر الرقيق في المجتمعات من الناحية الاجتماعية والاقتصادية؟ يجب ذكر الأزمان البعيدة وإظهار (الزنوج) وأثرهم داخل المجتمعات الرومانية، فكل جانب من الجوانب له تأثير وتأثر، فبعد استعباد الرومان واليونان للزنوج ومعاملتهم معاملة الحيوانات الضارية مع مرور الوقت ظهرت محاولات اكتشافهم أراضيهم والبحث عنها على مساحة شاسعة لتكون أرض الرومان واليونان، وبدأت في أذهانهم فكرة إبادتهم وحرقهم أحياء؛ لأنهم أثروا في مجتمعهم من الناحية الاقتصادية والاعتلاء على القيادات، فمحاولات التمرد الأول على السادة جاءت عندما حاولوا قتل الجلادين، والسرقة من أجل سد احتياجاتهم اليومية. 
 


وذلك يدل على الشدة التي تعرضوا لها، والغضب الداخلي القابع في نفسهم. ورغم أن تجارة الرقيق في الحضارة الرومانية مخلة بالشرف، لكنها أكسبتهم الأموال الطائلة، وساعدت على بناء حضارتهم؛ فيقول الدكتور أحمد شفيق في كتابه “الرق في الإسلام”، "كان الرومانيون يعتبرون هذه التجارة مخلة بالشرف مسقطة للاعتبار، ولكنها كانت تجارة رابحة، وكان الذين يتعاطونها يحصلون على أموال طائلة، وثروة وافرة، فمنهم النخاس تورانيوس الذي كان في أيام أغسطس متمتعًا بشهرة فائقة وصيت بعيد".

 إضافة إلى ما ذكرت، فقد قسم اليونانيون العبيد إلى ثلاثة فصائل مجتمعية، هم: العبيد المتعلمين المتأدبين العارفين بجميع العلوم الإنسانية، هؤلاء حصلوا على امتيازات عديدة شكلت بوادر الضعف في قاعدة المجتمع الروماني؛ لأن المتعلمين يشكلون العقل المفكر. 
 

الفصيلة الثانية: هم الأرقاء العموميون الذين يعدون ملكًا خاصًا للدولة ويشغلون الوظائف، ويعتنون بالمباني، ويعدون العدة للجيش، أما الفصيلة الثالثة: الخاصة بالمشتغلين داخل بيوت الملوك والأمراء، يشتغلون في الشئون المنزلية كطهاة طعام وما شباه. أما عن دور الجواري في المجتمع اليوناني، فأثرت مثلما تأثر المجتمع العربي في الأخلاق وتراجعها، وتوكد دراسة أخرى عن تأثر المجتمعات فتقر"، ولا تسل عن المغالاة في دفع الأثمان الزائدة لمشتري الجواري الحسان البارعات في الجمال، اللاتي يجعلن لمقتينهن حظًا كبيرًا في الاستحصال على المال؛ بسبب تعرضهن للفسق والفجور، وفي عهد الدولة كان القوم يدفعون المبالغ الباهظة للاستحصال على بنات ذات دلال، وذلك حيثما ازداد فساد الأخلاق واختلت قواعد الآداب، وانتشر الزخرف فيهم إلى ما تجاوز الحدود". 
 

 يُعَدُّ ما ذكر تأثيرا في الحياة الاجتماعية، أما عن نظام الرقيق كمؤثر في الحياة الاقتصادية، فلم تغفل الحضارات دور العبيد، بل إنها اعتبرتهم قاعدة أساس في تأسيس الإمبراطورية الاقتصادية لشعوبهم، من خلال العمل والإنتاج، وتنمية رأس المال، من خلال تسخيرهم للعمل بالزراعة، وتربية المواشي والأنعام. ومع تقدم الحضارة وتطورها بعدما قامت الحضارة على سواعدهم بعد التصنيف الثلاثي، بدأ الرقيق في الانخراط داخل الحياة الثقافية والسياسية، ومعها الآداب والفنون المختلفة "ففي اليونان أتاح الرقيق للطبقة العالية التفرغ للسياسية والإدارة، كما أتاح للفلاسفة والشعراء وأرباب الفنون الانصراف إلى الفلسفة والشعر والفن بجميع ألوانه، من: تمثيل، وموسيقى، وغناء، ونحت، كانوا في هذا كله روّاد الأمم من بعدهم. انقضت الحروب، وكبرت الإمبراطورية بعدما أقيمت مملكاتها، هنا تبدلت الأدوار؛ حيث غفل اليونان عن الحروب وساحتها، وانشغلوا بحياة البلاط والسياسة، منها تسلل إليهم حياة الترف، وأتاحت حياة الثقافة والغناء والشعراء وأرباب الفنون، وأصبح العبيد أصحاب ساحات القتال، واستسلموا لحياة الملذات عندما عرفوا طريق العاهرات ومجالس السمر التي تحمل في طياتها مداعبة أجساد الجواري والغلمان، أضف العزف على الآلات الموسيقية والرقص.

وتفننت الجواري في الإيقاع بالرجال؛ مما أدى إلى تخليهم عن الحروب وحمل السلاح. ليس هذا فحسب، بل تجنب الرجل الروماني زوجته، ومال إلى حب الجواري، والمؤانسة في جوارهم. وبناءً عليه، أعتقت الزوجة عبدها؛ لتتزوج منه رغم صرامة الرجل اليوناني مع نسائه؛ حيث يمنعوهن من الاختلاط بالرجال إلا العبيد. 

لقد أدى حجب النساء اليونانيات عن المجتمع إلى النفور والاختناق من أزواجهن ومن الحياة المملة؛ فأسسوا مدرسة لتعليم النساء الساخطات على أزواجهن؛ فالتعليم فتح عقولهن، كل هذه النتائج أدت إلى انحلال المجتمع اليوناني، يقول عبدالسلام الترمانيني، وبانحلال الأسرة اليونانية العريقة، فَقد المجتمع اليوناني دعامته الأساسية، وهان على الغزاة الرومان أن يغزوا بلاد اليونان، وأن يجعلوا منها ولاية رومانية". 

نصل إلى أن هذا الاضمحلال نتيجة تبديل الأدوار؛ حيث اهتم المحارب اليوناني بحياة الترف في أحضان العاهرات والجواري، وتغلغل العبيد في ساحات الحرب والسياسية؛ مما أدى إلى انهيار الإمبراطورية وتسليمها إلى الرومان، لكنها لم تسلم أيضًا من السقوط، رغم أنه في بداية الصعود استطاعت إمبراطورتيهم كسب أكثر من معركة، بل إنهم جمعوا ثروات الأمم المغلوبة التي وقعت في أسرهم فقد تخلى الروماني عن الأرض والمعول والمحراث إلى العبيد، وفتر الساعد القوي على حمل السلاح، وسخر لحملة الأرقاء والمرتزقين من الأجانب، وولى السادة عتقاءهم أعمالهم، وعهدوا إليهم بإدارتها ليفرغوا إلى اللهو. تشابهوا مع اليونانيين في الاستمتاع بحياة الجواري والإماء، وأخذوا يحضرون مجالس المؤانسة، تلك المجالس أرضخت الرومانيين في مغازلة النساء والزواج منهن ومعاشرتهن؛ مما أدى إلى سقوط الدولة الرومانية وسهل الركود والانحلال.

حاول القديس أوغسطس بعد سقوط تلك الإمبراطورية بسبب التخلي عن الأخلاق والعقائد القديمة التي تسمى بــ "القوانين الأبوية تطبيق السنن الكهنوتية؛ حيث وضع القوانين الجديدة، فاستبدلت الاستعراضات النسائية بالرياضة في مسارح المجالدة، وهي تعني التبارز بالسيوف في ساحة واسعة فسيحة يقتل فيها المحارب الآخر بضربة سيف قاتلة واحدة، كما أصدر قانونًا بمنع البغاء والزنا، وأصدر حكمًا بتحريم زواج أعضاء مجلس الشيوخ ورجال الكنيسة من الإمَاء المعتقات أو من العاهرات والجواري.

وأضاف أن رأى إصلاح الأخلاق لا بد أن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعقيدة القديمة التي تقوم على عبادة الآلهة والخوف من عقابها، فتزعّم حركة إحياء الدين القديم، ورفع من أجل ذلك من مقام طبقة الكهنوت، وزاد في ثروتها، وحرم ممارسة العبادات والطقوس الأجنبية في روما، وجدد الاحتفالات والمواكب والأعياد الدينية القديمة، ورفع إلى مقام الآلهة، وجعل له عبادة خاصة.

 لم يَعَد المحارب الروماني قادرًا على صدّ هجمات البرابرة المتربصين به، ولم تثمر محاولات القديس أوغسطس في إصلاح المجتمع. وقد نظر المجتمع إلى أن تلك القوانين تعسفية بها الكثير من الثغرات، بالطبع لم يتقبل أحد من الرومان خرق مجتمعهم المليء بالإخفاقات والمتعة والعهر؛ لذلك انقلبوا على قوانين القديس، الذي أراد من خلالها إصلاح المجتمع على قاعدة العقيدة وروح أخلاق الإله. فالهدف مما ذكر عن الحضارة الرومانية واليونانية توضيح أثر انخراط الرقيق والجواري في حياة الترف والمتعة؛ حيث كانا سببًا رئيسيًّا في إسقاط المقومات الوطيدة لتلك الحضارات السحيقة.

تابع مواقعنا