المضي قدما للأمام
(ولا يوم من أيامك يا مبارك)
جملة تتردد بشكل متقطع على السوشيال ميديا، بسبب غلاء الأسعار أحيانا، أو بسبب إصرار الحكومة على الالتزام بالقوانيين ومواجهة التعديات من المواطنين، والمقارنة بين عهد مبارك ومانعيش فيه الآن مقارنة ظالمة للعهد الحالي.
وبصفتى أحد شباب ثورة يناير، الذى انتفض ضد مبارك وسياسته، حتى نجحنا فى إزاحته عن السلطة التى ظل قابعا عليها ثلاثين عامًا، ضد تلك الجملة بشكل قاطع.
الراجل بين يدى الله الآن، ولا أشكك فى وطنيته، ولا دوره العسكري، ولكن منذ توليه رئاسة مصر، فمن حقي أن أنتقد أو أؤيد ما يتخذه من قرارات.
مبارك ظل ثلاثين عاما يسير فى المحل، لا يتقدم خطوة للأمام، بل نرجع الى الخلف بسرعة فائقة، وغير منتبه لكل التحذيرات، بل تجاهل لكل الناصحين، منتقدا من يعارضع، مستخدما كل أدواته للنيل من خصومه وتشويهم، أو تاركا لهم الفراغ ليصدحوا بما شائوا بدعوى خليهم يتسلوا.
مبارك صم أذنيه، وربط على عينيه عُصابة يصعب حلها، بعد أن طال جلوسه على الكرسي الوثير، ظن أنه الرجل الخارق، والعبقري الوحيد في الكون، بعد أن نجحت حاشيته فى التغني بإنجازاته، وحجبت عنه الحقيقة التي لا يعلمها ولا يعرفها، فهو لم يجهد نفسه يوما بمتابعة الأخبار أو الصحف، ونسى أنه الراعي الذى يجب أن يتفقد رعيته، ليطمئن على أحوالهم، بل وضع الحواجز بينه وبين الشعب، أو بمعنى أدق بينه وبين الحقيقة والواقع الذى يعيشه الشعب، بين براثن الفقر، والمرض، والأمية.
كان يظن مبارك أنه سيظل قابعا إلى الأبد، بل سيكون قادرا على أن يورث ابنه الحكم من بعده، وتجاهل كل الأصوات المعارضة التى تطالبه بالإصلاح، وسقط مع كبريائه وانتهى كل شيء، بعد أن انتفض الشباب وورائهم الشعب.
كان الخطأ الجسيم، أنه لم يحاكم سياسيا، ليعلم الجيل الحالي حيثيات تلك المحاكمة، وأنه كتب الفقر على شعبه، وازدات الهوة بين رجاله الذين مارسوا كل أنواع الفساد وباقي الشعب، وحالة الموائمة التى مارسها مع الإخوان، وتركه سيناء مرتعا للإرهاب وخطر الأنفاق، وغضه الطرف عن العائدين من أفغانستان، وغيرها كثير من المعضلات التى لا تعد ولا تحصى.
هذا الجيل الذى يتغنى بمبارك وأيامه، لم ير ملايين من المصريين مرضى بفيرس سي، ولم يشاهد كثيرًا من المأسي التى عاش فيها الشعب، وهو يرجع الى الخلف، فى التعليم والاقتصاد والاستثمار والصناعة والثقافة وكل شيء، أصبح عملة رديئة باهتة لا تدعو للافتخار.
قد أكون ممن يلومون الحكومة الحالية فى كثير من السياسات بسبب غياب الأولويات أو الشفافية، ولكن لنكن منصفين أن هناك كثير من الإنجازات والتى أصبحت واقعًا ملموسًا ونعيش فيه بشكل حقيقي، العشوائيات أصبحت من الماضي، السكن الكريم الذى تم إتاحته لجميع المصريين، شبكة الطرق والكبارى والأنفاق التى تربط عموم مصر، المشاريع القومية الكبيرة فى الزراعة ومحطات الكهرباء والتحلية والمعالجة، والمزارع السمكية وزيادة الرقعة الزراعية وكثير من المشاريع الصناعية، والاستثمارية الكبيرة في كل ربوع مصر.
الصعيد وسيناء أصبحا ينبضان بالحياة، ما زلنا لم نصل إلى مرحلة الرضا الكامل، لكننا لم نعد نمشي في المحل، بل نتقدم للأمام، صحيح هناك أخطاء نتيجة السرعة التى نتقدم بها، ولكننا نعييد تقييم الوضع، والحوار الوطني والمؤتمرات بين المتخصصين والحكومة مستمرة، والانصياع لحركة تلك الآراء يوجه البوصلة إلى الطريق الصحيح، يكفى أن الرئيس يسمع لكل الأصوات، ويتشارك مع الشعب ويحسن دور الراعي لإدراكة أن نجاحه الحقيقى ينبع من احتشادهم خلفه للدفع إلى الأمام.
فتحمل الشعب إجراءات الإصلاح الإقتصادي أملا فى تحسين الظروف، وان تعمل الحكومة على ضبط الأسعار ومواجهة التضخم، وتوفير العملة الصعبة بكثير من الكد فى توفير المناخ الملائم لجذب مزيد من الإستثمارات لتحسين ظروف المواطنيين.
نحن نسير بشكل صحيح طالما هناك أذان تنصت، وأعين ترى الحقيقة، وعقول تصوب خطئها، وحالة من التشاركية للوصول الى القرار الصائب فمصر لن تبنى وتنهض إلا بسواعد كل أبنائها المخلصين.
ولا ننسى أننا قادمين من عقود من الخمول وعدم الحركة، ولدينا الرغبة فى تحمل كل الصعاب من أجل الوصول إلى النهضة والتقدم، وبناء جمهوريتنا المدنية الحديثة الديمقراطية.
ولا ننسى أن هناك من يتربص بنا وبكل تحركاتنا، وينشر الشائعات ويقلل من حجم الإنجازات ويشوة الحقيقة ويجرنا إلى الخلف، لكننا قادرون على تجاوز كل تلك التحركات، بعزم أكيد على المضى قدما فيما نرجوه لوطننا من التقدم والرفعة.