ماذا بعد؟
لقد أريقت الدماء، قتل الأطفال والشباب والشيوخ والعجائز، بكى الجميع بكاء المقهورين، لا يبكون شهيدا، ولا منزلا تهدم، ولا مدرسة طويت جدرانها وسويت بالأرض، ولا مستشفى كانت أملا في تضميد جراحهم قصفها بالصورايخ عدو عديم الإنسانية.
ماذا بعد
أن قصفوا المساجد والكنائس والبيوت بقاطنيها الأمنيين، منعوا الطعام والشراب والعلاج، ارتكبوا المجاز اليومية، ومارسوا القتل العشوائى بين المدنيين، بغارات طيرانهم الأعمى، لتتوالى أعداد الشهداء جراء مجازرهم المتتالية، طال القصف كل مخيمات غزة وأصبحت غزة مدينة أشباح، غير قابلة للحياة، وفى الضفة الغربية انتهاك لكل اشكال الحياة من المستوطنين، وحملات اعتقالات لا تنتهى ولا تتوقف.
والصمت والخزى يكسو الجميع بدون استثناء، إلا من تعاطف وربت على أجسادنا المنهكة.
نعم نحن نبكي ضعفنا وقلة حيلتنا، لا نبكي من استشهد ولا منزلا تهدم بل نبكي عجزنا وبراءتنا، نبكي الخزي والصمت للمنظمات الأممية والدولية، نبكي عروبتنا وتاريخها الطويل من المجد والشرف.
ننادى صلاح الدين، نصرخ وامعتصماه، القدس أسيرة وسجينة، من يسمع صرخاتنا، من يمحو دمعة تحجرت، ننادي الله هو السند والمعين فلغزة رب يحميها.
وقضيتنا لا تموت، سنموت ويولد ألف طفل ليموت، سنتوارث الشهادة وأبدا لن نبيع قضيتنا، لن نترك قدسنا، لن نترك أرضنا، فاقتلوا ماشئتم فسيولد ألف شهيد، ليكتب بدمائه أننا أرض العزة والفخر.
فمنذ النكبة ونحن نموت، فى تاريخنا آلاف المجازر كتبت لنا صفحات من نور لآلاف الشهداء، خافوا من شيخ قعيد على كرسي متحرك فقتلوه، لكن الشيخ الشهيد سيظل يعيش آلالاف السنين، فهكذا شهدائنا، أسرانا، أطفالنا، شبابنا، نسائنا، عجائزنا، شيوخنا، خلقوا ليكونوا شهداء.
العالم يشاهد، والأحرار ينتفضون، والحكام يشجبون ويدينون، وإسرائيل ومن ورائها لا يصغون ولا يشاهدون كل هذا الدمار.
إنها ابادة جماعية تمارسها إسرائيل برعاية أمريكية، وفيتو أمريكي قتل بصمته الآلاف، أنسيتم مجزرة مخيم جباليا والمغازي والمستشفى المعمداني ومستشفى الشفاء، وصبرا وشاتيلا ومخيم جنين، مجازركم لا تعد ولا تحصى، ولكننا صامدون.
أيها الغرب الأصم لو كانت في دولكم مجزرة منها لقامت الدنيا بأسرها تساندكم ولوقعتم كل عقوبات الدنيا بأسرها على المعتدى.
فتحية لكل أحرار العالم الذين خرجو في دولهم ينددون ويطالبون بوقف تلك المجازر، تحية لكل دولة اعترفت بالدولة الفلسطينية وحقها في تقرير مصيرها وحريتها.
تحية لكل الطلاب بجامعات أوروبا وأمريكا، لكل من ساند ووقف يؤازر الفلسطينين ويساند قضيتهم المشروعة.
والخزي لكل من تقاعس، وصمت وباع ضميره وإنسانيته واستباح دماء الأبرياء.
أيها العالم المتواطئ؟ أيها الحكام المكتسون بالعار؟ يا كل المنظمات في كل الربوع انسانية وقانونية؟ يا كل العرب يا كل العجم يا كل العالم.
ما شاهدمتوه اليوم ليس فيلما سينمائيا، إنما مجزرة جديدة مروعة على المدنيين في خيامهم بعدما تهدمت وقصفت منازلهم، سكنوا الخيام أملا في أن لا تطالهم قذائف العدو الصهيوني المتغطرس، لكنهم رفضوا أن يهنؤوا بتلك الحياة البائسة، وبرغم مرارة حياتهم، والتعنت في دخول المساعدات، ذهبتم بطائراتكم ترتكبون مجزرة رفح لتضاف في سجلكم الإجرامي مجزة جديدة، ولينضم لقائمة الشهداء والمصابيين المئات وليدخلوا سجل الشرف.
فلننادِ بأعلى صوت بعد أن طارت الأشلاء في كل مكان، وتفحمت الجثث داخل الخيام، أين مجلس الأمن؟ أين شرطي أمريكا الطاعن في السن؟ أين الحكام المساندون لتلك البربرية والوحشية؟ أين كل الأطراف الدولية المؤثرة في كل ما يحدث؟
فلنقسم لكم بكل أقسام الشرف أن ما شاهدتموه ليس فيلما من إنتاج هوليوود ولا بوليوود إنما واقع أليم يعيشه سكان غزة بعد أن ضاقت بهم السبل، وتركوا كل شىء ليجتمعوا في تلك النقطة الأخيرة من أرضهم رغما عنهم، وليقصفوا بالطائرات ليحرقوا أحياء.
فلتشاهدوا بإمعان، وسنكرر لكل المشاهد لمجزرة تلو الأخرى وأنتم صامتون.
فما هذا الصمت المخزي؟ ما هذا العار الذي تكتسون به؟
فلتنتفضوا ولتستيقظ ضمائركم وأوقفوا تلك الإبادة الجماعية الصهيونية ضد أصحاب الأرض، ولتشاهدوا مجزرة رفح لعل وعسى أن تستيقظوا من تلك الغيبوبة الطويلة، لتكفوا دماء الأبرياء، وليتوقف إطلاق النار بشكل فوري وكامل.
ولتحذروا الغضب فهو قادم لا محالة، فاللهم إنا مظلومون فانتصر.
عاش نضال الشعب الفلسطيني الأبي، والقدس لنا، والأرض أرضنا، وإن غدًا لناظره لقريب.