الأحد 17 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

ويسألونك عن الدعم!

الأربعاء 29/مايو/2024 - 04:53 م

خلال حواري مع الإعلامي الكبير أ. إبراهيم عيسى، الأسبوع الجاري، تناولت بشكل مبسط تصريحات رئيس الحكومة عن أرقام الدعم وخطط التحول نحو تخفيضه أو استبداله بـالدعم النقدي، لكن بمتابعة التصريحات الأخيرة لمسئولي الحكومة ومتحدثها في ذات الشأن يتضح أنه يجري التمهيد لأمر ما يخص الدعم، وهو ما يستدعي الحديث عنه باستفاضة.

وبداية فإن أرقام الدعم في الموازنات العامة للأعوام المالية 17-18 و24-25، بها العديد من الإشارات التي نستطيع من خلالها قياس مدى تطور دور الدولة في منظومة الدعم على مدار هذه الفترة سواء دعم سلعي أو مواد بترولية، وإلى أي مدى يمثل الآن عبء على الموازنة العامة للدولة مقارنة بفترات سابقة.

ومن هذه الإشارات أن موازنات ما قبل 2017 كانت تُعرف بموازنة "الأربعة أربع"، بمعنى أن ربعها مخصص لسداد الدين وأقساطه، وربع آخر للأجور، ومثله لتغطية نفقات الدعم باختلاف أنواعه، وأخير مخصص للإنفاق العام ومشروعات الدولة.

لكن بالتدقيق في بند الدعم نفسه كنسبة وكرقم حقيقي في ضوء سعر العملة، يتضح هبوطه باستمرار مقارنة باستخدامات الموازنة، فبينما نمى الدعم من 332 مليار جنيه في 17-18 إلى 636 مليار جنيه في 24-25، فإن نسبته من إجمالي استخدامات الموازنة انخفضت من 22.2%؜ إلى 11.5%؜، أما بحسبتها على أساس دولاري -حيث أن المكون الأكبر من الاستهلاك بالعملة الصعبة- فإن الدعم تراجع من ما قيمته 21 مليار دولار إلى 14 مليار دولار خلال هذه الفترة.

في حين حدث تطور كبير في بند الدين بوصول نسبته إلى 62% من الاستخدامات في الموازنة العامة الحالية من نسبة 36%؜ من ذات الموازنة في 17-18، وبذلك تحولت موازنة "الأربعة أربع" إلى موازنة الثلت والثلثين، بمعنى أن ثلثي الموازنة تقريبا أصبح مخصص لسداد أقساط الديون وفوائدها والباقي يخصص لباقي الاستخدامات من أجور ودعم وإنفاق.

مقال محمد فؤاد ويسألونك عن الدعم!


أما الإنفاق الحكومي، فرغم أنه قد قلّ شكلا في ارقام الموازنة، إلا أنه أصبح يحدث وبقوة من خارج الموازنة على المشروعات القومية نظرا لترهل وحدة الموازنة في خلال هذه الفترة، وظهور تبريرات تنافي مفاهيم الاقتصاد لهذه الظاهرة مثل "هذا المشروع لم يكلف الموازنة شيء" أو "حققنا أكبر فائض أولي"، بالصرف من خارج الموازنة، وهو ما أثاره بوضوح شديد صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير.

وقد رتب كل ذلك انعكاسات "شكلية" على النمو الاقتصادي، بأن زاد الناتج المحلي من 4.8 تريليون جنيه في 2018 لمتوقع 12.3 تريليون في 24-25، مع الأخذ في الاعتبار أن حسبة الناتج المحلي مكونة من "الاستهلاك مضافا عليه الاستثمار والإنفاق الحكومي وصافي الصادرات"، بمعنى أن زيادته تكاد تكون مرتبطة بشكل كبير بالإنفاق الحكومي الفعلي وليس الشكلي.

هذا ما يخص موازنة الدولة، أما حال المواطن ومدى انعكاس  مؤشرات التنمية عليه، فالأرقام توضح أنه في 2017 كانت نسبة الفقر 32.5% وفي آخر نسخة من تقرير "بحث الدخل والإنفاق" الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في ديسمبر 2020 انخفضت هذه النسبة إلى 29.7٪، وبعد ذلك لم تصدر أي بيانات لاحقة خلال السنوات الماضية في ظاهرة غير مبررة، اللهم إلا دراسة أجرتها الدكتورة هبة الليثي، أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة ومستشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2023 تشير إلى أنه ربما ارتفعت النسبة إلى 35.7%.

وفي الحقيقة فإن تبيان نسبة الفقر خلال هذه الفترة لا تحتاج إلى إحصاء رسمي، خاصة وأن الجميع يراها بأم عينه ويلامسها في تفاصيل يومه وتعاملاته، وبالذات في ضوء التضخم الذي تضاعف من 14.4% من 2018، حتى وصل 32٪؜ في أبريل 2024، وفي ذات الحين تشير أرقام البطالة إلى الانخفاض من 11% إلى 7% في الفترة ذاتها -مع الأخذ في الاعتبار أن قياس البطالة لا يتعلق بالبطالة الفعلية بل بالباحثين بشكل نشط عن العمل. ولكن سنأخذها في الحسبان كنقطة إيجابية يتضاءل أثرها في ظل الأمور السالف ذكرها.

وما ذكرته آنفا يطرح تساؤلات جادة ومشروعة قبل أن يكون جلّ الاهتمام منصب على سردية إنهاء الدعم بحجة أنه يثقل كاهل الدولة كما تقول الحكومة، خاصة وأن أرقام جهات الدولة نفسها لا تثبت ذلك، كما أن رواية أن النمو الاقتصادي قد أحدث طفرة معيشية لا وجود لها على أرض الواقع طبقا لأرقام الحكومة أيضا، في حين تتحدث أرقام جهات أخرى عن مستويات مؤلمة في نسبة الفقر على سبيل المثال، أما السرديات الأخرى من "كورونا والحرب الروسية وتعثر دابة في أرض العراق!"، فحتى الأرقام -ما أتيح منها- لا تتماشى مع مستهدفات الدولة التي تم تعديلها عدة مرات بعد كل حدث من هذه الأحداث.

ملخص القول أنه من حق الحكومة أن تعلن عن خطط لتقليص الدعم أو القضاء عليه لكنها يجب أن تصارح المواطن أولا بحقيقة الدعم الذي تقدمه وكذا أن تستهدف لأن تصل بمعدلات الفقر إلى مستويات معقولة، يمكن وقتها أن تنتهج مثل هذه الخيارات وأن توجد مسارات أكثر وصولا للمستحقين الفعليين له، وقبل ذلك ألا تتخذه حجة لتبرير أزمات اقتصادية لأن الأرقام لا تشير إلى ذلك على الإطلاق.

فالقاعدة الاقتصادية الحاكمة تشير إلى أن أي نمو اقتصادي بحاجة إلى أن يكون احتوائي أو inclusive growth  قائم على مؤشرات أساسية لها علاقة بتطور الناتج الاقتصادي وتطور المجتمع معه، ليس من خلال خطط على الورق فقط يتم إطلاقها بين الحين والآخر وتأخذ وقتا في الإعداد أكثر من تنفيذ أي بند فيها، ومن ذلك ما صرح به رئيس الوزراء من أن الدولة بصدد وضع تصور اقتصادي بالاستعانة بالحوار الوطني خلال نهاية 2024.

لربما تأخر ذلك الأمر 8 سنوات، وأيا كانت النقاشات التي يعنيها رئيس الوزراء فلن تكتمل دون حديث عن دور الدولة وشكل تدخلها ومدى تنظيمه أو فاعليته وأثره الفعلي على أرض الواقع، والأهم والأخطر حاليا أن تشرح الدولة نفسها للمواطن وتحدد وجهتها خاصة وأنه لا يستقيم أن نعالج مشاكل اقتصاد مصر بالقطعة.. تارة دولار وتارة كهرباء وتارة الدعم، بتصريحات مفاجأة ومبهمة دون تأصيل أو شرح للصورة الكاملة في ضوء الحقائق والأرقام وبتجاهل السؤال الحاكم عن دور الدولة والتزاماتها.

تابع مواقعنا