“مقدم” أم “عميد”.. “ضابط” أم “وكيل”؟ محمود السيسي وأوجه الحقيقة الغائبة (انفراد بالتفاصيل)
ثمة لغزٌ في القاهرة يحيط برجل تشبه بنيته الجسدية وهيئته الشكلية، بِنية وهيئة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويعمل ضابطًا بجهاز الاستخبارات المصري.
الضابط الشاب الذي تُحاك حوله سحابةٌ ضخمة من المعلومات، والتسريبات والتسريبات المضادة، يبدو وضعه كما لو كان عصيًّا على الفِهم.
الضابط الشاب ليس سوى محمود عبد الفتاح السيسي، أكبر أبناء الرئيس المصري، والذي يعمل ضابطًا بالمخابرات المصرية.
فهو ودون سابق إنذار، تم استدعاؤه لقلب المعركة الضخمة القائمة بين الرئيس السيسي، وخصومه من جماعة الإخوان المسلمين، والماكينة الدعائية المنتشرة لهم.
وذلك سببه أن هذا الضابط، يمكن اعتباره -من وجهة نظر خصوم والده- “كعب أخيل” يمكن النيل من الجنرال السيسي بواسطته، وتشويه سمعته من خلاله.
تعود جذور القصة إلى صيف العام 2019، حين تعالت الهمهمات بخصوص وضع الضابط الشاب، الذي أشاع عنه خصوم والده أنه رُقّى من رتبة مقدم إلى رتبة عميد، وشغل منصب وكيل جهاز المخابرات المصرية.
وبين عشية وضحاها، وفي خريف 2019، وأثناء أحداث التظاهر التي رتّب لها الإخوان المسلمون، واندلعت في 20 سبتمبر/ أيلول، بدا أن لمحمود السيسي نصيب الأسد من الغضب الموجه ضد والده، وبدا أن المسألة مصنوعة وحِيكت ودُبرت بلَيل منذ فترة.
وفور أن تم احتواء موجة خريف سبتمبر، أُشيع أن محمود السيسي تم نقله إلى السفارة المصرية في موسكو، ليعمل مسؤولًا عن التنسيق الأمني والاستخباراتي بين مصر وروسيا.
أجهزة سيادية تتدخل للإفراج عن صحفيي “مدى مصر”.. ماذا حدث في 36 ساعة؟! (التفاصيل الكاملة)
وما إن انقطع الكلام عن هذا الملف حتى عاد التنظيم ومناوئو الرئيس المصري إلى اللمز مرةً أخرى في ملف محمود السيسي، ربما بغرض إرباك الرجل.
الرحلة لنفض الغبار عن سيرة “النجل” ليست سهلةً؛ نظرًا لحساسية وضعه الوظيفي كضابط في أقدم جهاز استخبارات في المنطقة، ويعمل تحت إطارٍ من السرية والتمويه الدائمين.
ناهيك عن منصب والده، والغبار الذي أُثير مؤخرًا حول دور- الابن- في منظومة الحكم بالبلاد. الأمر الذي يجعل الكثيرين من المطلعين على دقائق الأمور، أو المقربين من مساحات الاحتكاك بالابن، على درجةٍ من الحذر الزائد إزاء التطرق لسيرته.
ضابط جيش.. تأمين قناة السويس والعمل في سيناء
محمود خريج الدفعة 97 حربية عام 2003، ووقتها كان قد مضى 27 عامًا على تخرج والده في الكلية الحربية، ومر عام واحد على حصوله على زمالة كلية الحرب العليا من أكاديمية ناصر العسكرية العليا، وبعد أن تمرّس الأب في سلاح المشاة ميكانيكا ما بين قائد فرقة وقائد لواء، وقبل أن ينتقل فيه والده إلى أركان حرب المنطقة الشمالية، سار محمود على نهج أبيه فانضم إلى نفس السلاح، إلا أن حظه قاده إلى الجيش الثاني الميداني، وتحديدًا تأمين الخط الملاحي لقناة السويس، فتنقّل ما بين مدن القناة، وسيناء لهذه المهمة منذ 2005 تقريبًا.
يقول أحد زملاء محمود السيسي بالكلية الحربية: “إن نجل الرئيس المصري تخرّج ضابطًا بسلاح المشاة، ورغم الموقع القيادي لوالده داخل هيكل الجيش المصري، إلا أنه لم يحظَ باستثناء، أو ميزة وظيفية بعينها، ولم يتم استغلال نفوذ الأب لتسكينه في “مكان مريح”.
ليعمل ابنه الملازم أول في الجيش الثاني الميداني في تشكيل مشاة ميكانيكا على النسق الأول؛ لتكون مهمته تأمين المجرى الملاحي لقناة السويس في منطقة القنطرة.
يعلق زميل النجل: “وهذه المهام بمعايير القوات المسلحة -شديدة الإرهاق-، وتجربة حين تستقبل بها حياتك ومسارك الوظيفي، فإنك تجهز نفسك لرحلةٍ شاقة، ولصعود وظيفي في أماكنٍ تتطلب جهدًا فائقًا داخل صفوف المؤسسة العسكرية”.
غير أن نجل القائد العسكري البارز لم يكن يتعامل مع زملائه سوى أنه مجرد ضابط، وليس ابن قيادة كبرى، الأمر الذي وفّر له شعبيةً بين الجنود والضباط.
وهو ما يمتد إلى الآن عبر استمراره المتواصل مع أبناء دفعته (الدفعة 97 حربية لعام 2003)، واعتزاه الشديد بهم، وبالمسارات المهنية التي اتخذوها داخل صفوف الجيش المصري، ولطبيعة المهام القتالية والدفاعية الموكولة إلى كلٍّ في مكانه، وهو دائم الترديد أنه محظوظ بانتمائه إلى دفعة مميزة بهذه الصورة داخل الجيش.
واصل محمود عبد الفتاح رحلته داخل القوات المسلحة، حتى خدم في سيناء في معسكرات المقذوفات في عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
فبحسب مقدم فى الجيش المصرى خدم مع محمود، تحدّث بشرط عدم ذكر اسمه لعدم الحصول على تصريح عسكري، فإن نجل السيسى يمتلك خبراتٍ ميدانية على الأرض فى التعامل داخل سيناء، كونها أثناء خدمته هناك، لديه علاقات بعدد من شيوخ القبائل وشباب سيناء تعامل معاهم، يتواصل مع عددٍ منهم حتى الآن.
بل يعتبره البعض قناة التواصل الأكفأ مع الدولة المصرية، سيما وأن تكوين السيسي الابن، الذي يتمثل أخلاق حي الجمالية الذي نشأ فيه والده، ويتقوى بمخزون من المعلومات الدينية؛ نتيجة دراسته حتى المرحلة الثانوية في الأزهر الشريف الذي حفظ في أروقته القرآن الكريم بعدد قراءات، يتيح له تواصلًا إنسانيًا مميزًا مع الجميع.
بل إنه حين يجالس مشايخهم وشبابهم يصر على الجلوس معهم على الأرض مراعيًا العادات البدوية، حتى في الطريقة التي يأكل ويشرب بها معهم، وفي ألفاظه المنتقاة بعنايةٍ في التواصل الاجتماعي معهم في مناسباتهم من أفراح وعزاء وخلافه. وهو ما يتجلى في جملته التي يرددها دومًا “أهل سيناء أهلي.. واختلاطي بيهم طيلة هذه الفترة جعلني منهم وجعلهم مني”.
الأمر الذي أتاح له التعرف على عادات وتقاليد، ووجدان قبائل سيناء عن قرب، ما انعكس على الرؤية العامة التي طورت من خلالها الدولة المصرية استراتيجيات المواجهة في سيناء على المستويات الاجتماعية، والإنسانية قبل السياسية والعسكرية.
ما وفر له شعبيةً جارفةً بين الأجيال المختلفة من قيادات القبائل، حتى أضحى هو كلمة السر في المشهد.
المخابرات العامة.. الرفض ثم القبول ثم الصعود
ثم تقدّم محمود السيسي إلى العمل في جهاز المخابرات العامة لدى فتح بابي الترشيح والتقدم، غير أن المحاولة فشلت، ولم يتم قبول نجل “نائب مدير المخابرات الحربية” ضابطًا في الجهاز.
بيد أن الحظ قد واتاه في المرة الثانية من التقديم، ليلتحق بالمؤسسة السيادية الكبرى.
ومن الجيش الثاني الميداني، وبعد 5 سنوات تقريبًا من الخدمة فى سيناء، وفى 2009 تحديدًا، انتقل محمود السيسى إلى جهاز المخابرات العامة بقيادة اللواء عمر سليمان.
وعمل محمود السيسي في ملف النشاط الخارجي، وتحديدًا مقاومة التجسس، والأنشطة الخارجية حتى قامت ثوة 25 يناير فكان أحد الضباط المسؤولين عن تأمين ميدان التحرير، وارتبط بعلاقاتٍ مع مجموعة النشطاء والثوريين تحت اسم مستعار بشخصية وهمية، وساعد الكثير منهم.
وبعد أقل من شهرين على سقوط مبارك، ورحيل عمر سليمان، وتولي المجلس العسكري زمام الأمور فى البلاد، كان الرئيس عبد الفتاح السيسى مديرًا للمخابرات الحربية وقتئذ، وكان لمحمود السيسى دورٌ كبير فى قضية خطيرة ساهمت فى دفعه خطواتٍ إلى الأمام، حيث كان مكلفًا ضمن أحد أطقم مراقبة لأحد الجواسيس الأجانب، الذي تم كشفه، وهو ما وصفه البعض بانتصار سياسي وعسكري كبير آنذاك فى ظل حالة الوضع الهش في مصر آنذاك.
وفي أواخر 2011 ومع بداية برلمان الإخوان، انتقل محمود السيسى من ملف النشاط الخارجي، ومقاومة التجسس إلى ملف النشاط الداخلي، وتحديدًا مقاومة الإرهاب في سيناء، وما لا يعرفه الكثيرون أنه كان أحد الضباط المكلفين من جهاز المخابرات العامة وقتها، برئاسة اللواء مراد موافي فى حادث مذبحة رفح الأولى، والتي أدت إلى نتائج مختلفة في السنة التي قضاها “محمد مرسي” رئيسًا للبلاد.
محمود السيسي داخل جهاز المخابرات العامة يصعب تعقب مسيره الوظيفي مباشرةً من داخل البلاد، غير أن دبلوماسيًا عربيًا مرموقًا، يتركز عمله بالأساس على التنسيق بين التحركات الاستخباراتية للدول المتحالفة في المنطقة مع الترتيبات الدبلوماسية والقانونية، قال شريطة التحفظ على اسمه وصفته وبلده: “محمود نجل الرئيس المصري ليس بازغًا وحاضرًا ومفروضًا في كل شيء، كما يشيع الإعلام المعادي، وليس فاعلًا في الملفات الكبرى، وليس ظاهرًا من الأساس، وإلا لصادفناه في ترتيباتٍ كثيرة كانت المخابرات المصرية طرفًا فيها”.
غالب ظني أنه في مهامه الطبيعية، وفي خط سيره الوظيفي داخل جهاز المخابرات المصرية العريق.
يضيف الدبلوماسي المخضرم: المصريون ليسوا سذجًا كي يقامروا بسمعة جهازهم الاستخباراتي، عبر تصدير ضابط كل مقوماته أنه نجل للرئيس فحسب.
وغالب ظني، وبقياس تفكير الرئيس الأب وما يمكن أن يكون عليه الابن، فهو مشغول بمهام ذات طابع خاص متسق مع سابق خبراته في الجيش المصري.
وإذا توفّر للرئيس المصري أعين أمينة ودقيقة، وتوفّر له معلومات وتقديرات مواقف على النحو الذي يفضله ويستسيغه كمدير (ولو مدير بحجم رئيس جمهورية مصر العربية)، فإنه سيكون مسرورًا جدًا.
فما بالك حين يكون ابنك “وتربية يديك”، والذي يشابه في الأغلب طريقة تفكيرك مسؤولًا مباشرًا عن أحد ملفات الداخل الملتهب؟
تقدير الدبلوماسي العربي يتفق مع مصدر سيادي مصري، سبق وأن قال قبل فترةٍ (قبل إثارة الزوابع حول ابن الرئيس) أن النجل يعمل ضابطًا في مقاومة التجسس ومكافحة الإرهاب في سيناء.
وهو ما يتفق مع سابق خبراته من الخدمة في سيناء وفي الجيش الثاني بالفعل.
أضاف المصدر حينها: “مثل هذه الوظيفة تحتاج فيمن يشغلها توازنًا نفسيًا، وتقديرًا سياسيًا دقيقًا، حين تكون مسؤولًا سياسيًا واجتماعيًا عن قطاع ضخمٍ من المصريين تحاول ألا تستقطبهم جماعات الإرهاب. الأمر الذي يتطلب اقتراح حلول غير تقليدية، ناهيك عن قراءة كل التفاصيل بأعين استثنائية منذ البداية”.
يعلق قيادي عسكري أُحيل للمعاش مؤخرًا: إذا كان محمود السيسي خدم مع عمر سليمان، ومراد موافي، ورأفت شحاتة، ومحمد فريد التهامي، وخالد فوزي، وعباس كامل دون أن يكون لأيٍّ منهم ملاحظة مهنية عليه، وإذا كانت المهام توكل إليه بصورة طبيعية في نطاق تخصصه العملي المباشر، فأين نفوذ الأب أو محاولات تملقه في صورة نجله؟.
ميدان التحرير
يضيف المصدر: جهاز المخابرات المصري عريق، وقبول ضابط فيه بالمعايير المستقر عليها أثناء فترة الوزير عمر سليمان كانت دقيقةً وربما صارمة، فرفض محمود السيسي أول مرة، ثم قبوله في دفعةٍ أخرى علامة نزاهة للجهاز ولمحمود نفسه، ناهيك عن نزاهة الوالد.
ثم وبوضوح شديد أوضاع البلاد منذ 2011 لا تحتمل ترفًا في إيلاء المفاصل الحساسة، والأماكن الخطيرة في أجهزة الدولة السيادية على سبيل المجاملة، فمن سيتحمل ثمن الخسارات الاستراتيجية الفادحة حال كان الضابط المسؤول غير كفء؟
ووفقًا لأحد وكلاء الجهاز المحالين إلى لمعاش قبل وقتٍ قريب، فإن الشائعات حول محمود السيسي غرضها محاربة الأب في صورة الابن.
يقول الوكيل: “تقاطع معي نجل الرئيس في بعض الملفات، وهو مهذب وعملي كوالده، غير أنه يدخن السجائر (يضحك الوكيل لدى ذكر هذه التفصيلة في مقارنة للابن بالأب)، مضيفًا: غير أنه يحب الرياضة ويمارسها بانتظام”.
يضيف الوكيل: محمود برتبة مقدم كما هو حال أبناء دفعته، في الجهاز ولا يعقل أن يتم ترقيته إلى رتبة عميد في هذه السن، ولا أن يشغل منصب وكيل الجهاز، فهناك قوانين ومحددات داخلية صارمة جدًا، وجهاز المخابرات المصري مؤسسة عريقة.
بل أجزم لك: تركيبة الجهاز وهندسته من الداخل، وأنماط الرقابة التي تكفل درجةً كبرى من النزاهة، تُعد بمثابة حزامٍ من نار، لا يمكن لأحد المساس به مخترقًا تقاليد الجهاز، أو محاذيره المستقر عليها.
وهذا متعارفٌ عليه في أجهزة الاستخبارات العريقة، حيث يصعب أن ينفرد جناح بقرار، ويستحيل أن يمرر طرف أيًّا كان وضعه الوظيفي شيئًا دخيلًا، أو يمس الأمن القومي بخطر، دون المرور الإجباري على عدة دوائر من اتخاذ القرار داخل المؤسسة. هذا ويُذكر أنه يوجد نائب رئيس واحد فقط لجهاز المخابرات العامة، وهو اللواء ناصر فهمي.
أما الأمور الأكثر سريةً، فإنها مسؤولية مباشرة لمدير الجهاز وتخضع لعلاقته المباشرة برئيس الجمهورية، ولها دوائر شديدة الخصوصية داخل الجهاز.
وترقية أحد الضباط بصورة غير معقولة، ليست بطبيعة الحال ترفًا، يمكن لكائن من كان أن يفعلها، ناهيك بانتفاء مبرر لوجودها من الأساس، إضافة إلى أن الترقية ليست الشكل الوحيد من أشكال المكافأة داخل مؤسسة، خاصةً كالمخابرات العامة. نحن لا نتحدث عن موظف في شركة غزل ونسيج.
مصدر قضائي يوضح حقيقة مجاملة نجل النائب العام وابن شقيق السيسي في حركة النيابة
يختم الوكيل: محمود السيسي أمامه تحديان، أحدهما شخصي، والآخر مهني، أما الشخصي فهو أن يتغلب إنسانيًا على كل هذا الاستهداف الذي قد يضطره إلى التعامل بحذر شديد مع كل شيء بحيث يصبح مصابًا بـ”فوبيا” من الاتهام بأنه يصعد مهنيًا، ويمارس مهامه لأنه فحسب “نجل الرئيس”. والتحدي المهني أن عليه أن يبذل جهدًا مضاعفًا بطبيعة الحال، نظرًا لمنصب والده أيضًا.
في العائلات المحترمة حين يتصادف أن الابن متفوق أو مجتهد مثلما هو حال الأب، يدفع الابن ضريبة تفوقه وتفوق والده، مضطرًا إلى ممارسة جهد إضافي لتبرئة ساحة نفسه وساحة والده، ودفع الاتهام عن الاثنين.. يختم الوكيل كلامه.