كان على علم بالموعد وأتاه النبي وآل بيته ليأخذوه.. كواليس وفاة الشيخ الشعراوي إمام الدعاة| فيديو
المكان والزمان حزينان، من مدينة دقادوس الذي نشأ فيها وأتى منها فتًا صغيرًا، وفي يونيو من عام 1988، بينما تستعد شمس الأربعاء 17 يونيو للغروب، كانت شمس الشيخ محمد متولي الشعراوي، حاضرة رغم رحيله، احتشد مئات الآلاف من مريديه ومحبيه الذي استهواهم حديثه، فتعلموا منه وتتلمذوا على يده.
وفي مشهدٍ مهيب، خرج الناس عن بكرة أبيهم، امتلئ المسجد قبل موعد الجنازة بساعتين، أغلقت المحال، اكتظت الشوارع بالمشيعين فلا توجد مكان لقدم، حتى الكنيسة لم يغيبوا، قدمت الجنازة عن موعدها نظرًا للأعداد الكبيرة التي قدرت بأكثر من مليون.
ومضت الجنازة تحمل الجثمان، واستغرق التشيع ساعات رغم أن المسافة بين المدفن والمسجد لم تتخطى الـ300 متر، حتى شرفات المنازل امتلأت بالسيدات اللاتي حرصن على وداع إمام الدعاة ويلقون عليه النظرة الأخيرة.
لم يكن المشهد عاديًا، كما هي لحظاته الأخيرة، ففي الثلاثاء 16 يونيو من عام 1998، ومع حلول الثانية عشر من منتصف الليل، جلس عبد الرحيم الشعراوي داخل حجرة والده، بينما يرتجف قلبه، ويحبس دموعه بالكاد، تسابق نبضات قلبه عقارب الساعة، مع اقتراب الموعد الذي أخبره والده بالرحيل، ليقطع صوته الذي كانت تهوى إليه الأفئدة الصمت: "يا عبد الرحيم أنا عاوز استحمى"، وطلب الإمام ملابس جديدة، وتحدث إلى حفيدته "اعمليلي ضوافري"، وطلب تسوية الذقن، "أنا عريس الليلة".
ذكرى وفاة إمام الدعاة الشيخ الشعراوي
تمر الساعات ببطء شديد على قلب “عبد الرحيم” الذي اختصه والده بموعد الرحيل، بعدما طلب منه أن يجهز السيارة في إشارة إلى تحركه إلى دقادوس وتحضير المقبرة، وصولًا للثالثة من صباح الأربعاء، كان الشيخ قد استعد، وطلب من جميع المتواجدين في الغرفة، أن يتركوه وحده، "اطلعوا وسبوني مع ربنا واقفلوا الباب"، لينفذوا ومعهم الشيخ عبد الرحيم، والذي يروي كواليس وفاة الشيخ.
ومع أذان الفجر حاولت فاطمة ابنته أن توقظه للصلاة، وحاولت فتح الباب لأكثر من مرة إلا أن الأكرة لم تطواعها لترجع للخلف وتفتح الباب بالقوة، ليطردها الشيخ خوفًا عليها كما يسرد نجله: "لقيت نفسي الساعة 6 بجري على السلم ودخلت عليه لقيته قاعد ومدلدل رجله، بقوله زعلت بطة ليه، قالي مقدرش إحنا كنا في الحضرة، ولو داست حد من الجبايب هتعيش عليلة طول عمرها وهي مش شايفهم، فأنا شخط فيها، دي بنتي وأختي وحبيبتي، وكنت خايف عليها من إنها تأذي حد من إخواتنا".
بعدما صالح نجلته ومازحها، جلس الشيخ رفقة أبنائه يضحك ويذكرهم بمواقف من طفولتهم، وفجأة قطع الشيخ تلك الأجواء، ورفع قدمه على السرير وربعها، وشخصت عيناه إلى السماء.
وبدأ في الترحيب بضيوفه، “أهلًا سيدي إبراهيم، أهلًا سيدي الحسين، أهلًا ستنا زينب”، متابعًا: “بنفسكم أنا أستاهل ده كله، أنا كنت جاي”، وفجأة تعالى صوته “إنت جاي بنفسك.. أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله" ومعها خرج السر الإلهي، ليرحل الشيخ الشعراوي بجسده تاركًا أثرًا لا ينسى في قلوب المصريين وجموع عشاقه، ولم تغب شمسه حتى الآن، فأحاديثه تردد على ألسنة تلاميذه محبيه بلا انقطاع في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
أبرز المحطات في حياة إمام الدعاة:
- ولد عام 1911 بمحافظة الدقهلية.
- بعد حصوله على الثانوية الأزهرية لم يُرد استكمال مسيرته التعليمية.
- والده أصرّ على إكماله الدراسة في الأزهر.
- تخرج في كلية اللغة العربية عام 1940.
- له مواقف وطنية مشرفة ضد قوى الاحتلال.
- اعترض على نقل مقام سيدنا إبراهيم لتوسعة المطاف حول الكعبة الشريفة.
- استجاب الملك سعود لخطابه ومنع نقل المقام من مكانه.
- الملايين كانوا ينتظرون أحاديثه الأسبوعية أمام التلفاز وعبر أثير إذاعة القرآن الكريم.
- مدير إدارة مكتب الإمام الأكبر حسن مأمون شيخ الأزهر الأسبق 1964م.
- كان وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر بجمهورية مصر العربية.
- شغل عضوية مجمع البحوث الإسلامية 1980م.
- عضو مجلس الشورى بجمهورية مصر العربية 1980م.
- توفي الشيخ عن عمر ناهز السابعة والثمانية عام 1998م.