سيناريو ليبيا يقترب.. إلى أين تتجه الحرب السودانية بين الجيش والدعم السريع؟| تحليل
السودان الحزين.. تلك الكلمة مثلت شعار المرحلة الحالية من عمر السودان الذي يشهد حربا ضروسا منذ أبريل من العام الماضي، تسببت في مقتل عشرات الآلاف واصابة مئات الآلاف من السودانيين، إضافة إلى نزوح وتشريد ملايين آخرين ما بين نزوح داخلي وخارجي إلى الدول المجاورة للسودان.
وخلال الأسابيع الماضية دخلت الحرب السودانية بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادي الانتقالي، وداعميه من الأطراف السودانية المختلفة من جهة، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، وما يدعمها من مليشيات مسلحة من جهة أخرى، مرحلة جديدة إذ انتقلت البؤرة المشتعلة للحرب إلى ولاية شمال دارفور وعاصمتها مدينة الفاشر، التي تؤي مئات الآلاف من النازحين، الأمر الذي جعل من مستقبل الحرب ضبابيا، وسط اتهامات بتدخلات خارجية من قبل عدة دول، وتحركات من قبل أطراف سياسية داخلية للحصول على انتصارات بأيدي أحد أطراف الصراع.
الإخوان جزء رئيسي من الحرب السودانية
وفي ذلك يقول الجميل الفاضل المحلل السياسي السوداني، أن الحرب في السودان بعد مضي أكثر من عام، باتت أقرب لأن تصبح حربا مفتوحة على كافة الاحتمالات، بما في ذلك احتمال الحرب الأھلية الشاملة، حرب الكل ضد الكل.
وأضاف الجميل لـ القاهرة 24، أن جماعة الاخوان في السودان تعمل بكل ما أوتيت من قوة لزج البلاد برمتھا في الخراب مهما كلف ذلك من ثمن، وهو ما يمكن تسميته بحرب وجود وبقاء للجماعة، وأن الحرب لن تنتھي إلا بنھاية حركة الإسلام السياسي في السودان، وھي نھاية لا ترى بوادرھا في الأفق المنظور، لطالما أن جھات عدة داخلية وخارجية لا زالت تعمل خدمة لمصالحھا الخاصة في إزكاء نيرانھا.
وعن دارفور أوضح، أن أي اتجاه لفصل إقليم دارفور عن السودان لن ينتج استقرارا، كون الإقليم يعج بالتناقضات الداخلية الأثنية والقبلية، فضلا عن تقاطعات المصالح بين مكوناته المختلفة، وأنه في حال تمكن قوات الدعم السريع من السيطرة على الإقليم، فإنه يكون بذلك قد تورط في مغامرة من شأنھا أن تفتح الباب لصراع إقليمي أوسع نطاقا من دارفور.
وأردف الفاضل أن الأزمة السودانية الراھنة والمعقدة تختلف بطبيعة حالھا عن كافة الأزمات التي درج المجتمع الدولي على استخدام آلياته التقليدية المعھودة في معالجتھا، وأن دخول البعد الأيديولوجي الإخواني في ھذا الصراع يمثل عمق الأزمة الحالية في الحقيقة.
وأشار إلى أن صرف أنظار العالم عن صراع السودان، ربما يعود لحكمة تتصل بضرورة استكمال عوامل النضوج لحصاد واستئصال الإسلام السياسي من البلاد، بل ولربما إلى أبعد من ذلك.
العالم غير مهتم بالسودان
وتشير العديد من الأبحاث السياسية والاستراتيجية أنه فيما يتعلق بالوضع في السودان، فإن الحروب الأهلية خاصة تلك التي يُنظر إليها باعتبارها شأنا داخليا، تحظى باهتمام أقل من الصراعات الإقليمية.
حرب غير قابلة للتنبؤ
فيما قال عثمان عبد الحليم المحلل السياسي السوداني، إن الحرب في السودان باتت غير قابلة للتنبؤ، وذلك في ظل العديد من التدخلات الخارجية لمؤازرة كلا طرفي الصراع في مواجهة الطرف الآخر.
وأضاف عبد الحليم لـ القاهرة 24، أن قوات الدعم السريع تتلقى دعما من دولة خليجية جرى الإعلان عنها من قبل المجلس السيادي الانتقالي بقيادة عبد الفتاح البرهان، وتقديمها -الدولة الخليجية ذاتها- لمئات الطائرات المسيرة، كما تحظى قوات الدعم السريع بدعم سياسي أمريكي وغربي، فيما توجه الجيش السوداني للمعسكر الشرقي الممثل في روسيا لمواجهة التدخل الغربي، ما حول السودان لساحة صراع شرقي غربي، دون وجود مظاهر للتوصل إلى مفاوضات من شأنها وقف الحرب.
وعن إقليم دارفور، تابع عثمان عبد الحليم، أن قوات الدعم السريع تكثف هجماتها للسيطرة على مدينة الفاشر التي تمثل العاصمة الخالية والتاريخية للإقليم بولاياته الخمس، مبينا أن مساعي الدعم السريع تهدف لإعلان حكومة منفصلة في إقليم دارفور حال السيطرة عليه كليا، يتبع ذلك اعترافات من قبل الدول الداعمة لها، بغية تكرار السيناريو الليبي الذي يشهد حكومة في شرق البلاد وحكومة في غربها، في حين غير الجيش من استراتيجيته باستهداف قيادات قوات الدعم كما حدث بمقتل اللواء علي يعقوب قائد قوات الدعم في دارفور.
كما أردف أن المجتمع الدولي أصبح غير جاد في السعي لحل الأزمة السودانية لجعل الثروات السودانية عرضة للنهب كما يحدث في ليبيا واليمن حتى تتمكن بعض الدول من استنزاف موارده، مردفا أن الاهتمام الإعلامي قل بشأن السودان، ولا يظهر الإعلام بشكل كافي ما يحدث في السودان مثل ما جرى مع الحرب الإسرائيلية في غزة.
تعهدات المساعدات الدولية لا تصل السودان
ورغم تفاقم الحرب وما تسببت به من أزمات إنسانية إلا أن العديد من المنظمات الدولية تقول إن ثمة تجاهل وصمت دوليين إزاء الوضع في البلاد، حيث إنه مع مرور عام على الصراع، تعهد المجتمعون في مؤتمر باريس حول السودان بتقديم 2.1 مليار دولار كمساعدات إنسانية إضافية للسودان. ومع ذلك قالت الأمم المتحدة في منتصف الشهر المنصرم إنها لم تتلق إلا 12% من تمويل بقيمة 2.7 مليار دولار، طلبته لمساعدة السودان.
سيناريو ليبيا يلوح في الأفق
في ذات السياق، يرى عثمان ميرغني المحلل السياسي السوداني، أن الحرب السودانية تشهد تطورات واسعة بازدياد حدة المعارك واستخدام أسلحة ثقيلة لم تستخدم من قبل، إلى جانب انتشارها ووصولها لعدة مناطق لم تصلها من قبل.
وأوضح لـ القاهرة 24، أنه لا تزال مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور عصية على قوات الدعم السريع، حيث تواصل قوات الجيش صد الهجمات وتكبيدها خسائر فادحة.
وأكد ميرغني أنه في حال سيطرت الدعم السريع على إقليم دارفور سيبرز للواجهة سيناريو تكوين حكومة منفصلة كما يحدث في ليبيا واليمن، أو سيناريو إنفصال دارفور كدولة جديدة، مشيرا إلى أن فشل المجتمع الدولي في الحل يعود لعدم فهم طبيعة الصراع واستخدام الطرق المناسبة لحله.
حيث أردف أن الحرب السودانية هي حرب سياسية في المقام الأول بين الجيش النظامي وقوات شبه نظامية كانت مهامها في الأساس دعم الجيش النظامي وانتهت مهامها، لذلك لا يمكن أن توضع على درجة أهمية دولية كالجيش النظامي، إلا أن بعض الأطراف الخارجية دعمت الدعم السريع وتريد إضفاء صفة شرعية عليه لتتمكن من الوصول إلى الموارد السودانية من خلاله.
واختتم الميرغني تعليقه بأن الحرب في غزة سرقت الأضواء والاهتمام العالمي بالحرب السودانية، وأضعف التعامل معها من عدة زوايا من بينها الزاوية الإنسانية كتقديم المعونات للشعب السوداني الذي يواجه المجاعة، وتوجهت الأنظار إلى غزة في حين أن ما يحدث في السودان أصعب مما يحدث في غزة.
السودان حزين وأبنائه جوعى
وقبل أيام، حذرت المنظمة الدولية للهجرة من أن 70% من الأشخاص الذين أًُجبروا على النزوح في السودان، يحاولون البقاء على قيد الحياة في أماكن معرضة لخطر المجاعة، مضيفة في بيان لها أن وصول المساعدات الإنسانية غير مكتمل أو غير موجود، الأمر الذي من شأنه أن يوصل البلاد لأكبر مجاعة عالمية في بلاد تستطيع أن تكون سلة غذاء العالم، إلا أن الحروب حالت دون ذلك.