إشارات بتغير حسابات
من 4 شهور وتحديدًا في واحد من أيام شهر رمضان اللي فات على طول كان الشاب إسلام الفولي اللي عنده 28 سنة ومن محافظة بني سويف واقف في محل الحلاقة اللي بيمتلكه وبيحلق لواحد من الزباين، زى ما كلنا عارفين طبيعة محلات الحلاقة في مصر وخصوصًا مع دخلة أي عيد بتبقى رجل طالعة ورجل خارجة وبتبقى ما شاء الله ربنا يزيد الكل الدنيا زحمة عن المعتاد، لكن حتى مع الزحمة لازم عيون صاحب المكان تكون مصحصحة وشايفة الكل بتركيز حتى وهو بيشتغل.
عشان كده لما فجأة دخل المحل طفل صغير عمره ما يزيدش عن 7 سنين إسلام لمحه بطرف عينه بسرعة وشاف في إيده 10 جنيه، الطفل سأل إسلام بعفوية: (عمو هو الحلاقة بكام؟).. قالها وهو بيشاور بـالـ 10 جنيه اللي معاه، إسلام بدون ما يبص له رد عليه بسرعة: (روح يا حبيبي كملهم 25 جنيه وتعالا).. قالها باعتيادية اتكررت قبل كده كذا مرة ما هو طبيعي إن العيال في السن ده مش بيكونوا عارفين قيمة الفلوس.
خرج الطفل وهو باصص في الأرض كإنه مهزوم، لمحه "إسلام" بطرف عينه في المراية، لحظات أو خلينا نقول على وجه الدقة "ثواني" فكر فيهم "إسلام" وهو بيسترجع تفاصيل الموقف البسيط الصغير ده، الطفل حس بكسرة نِفس وخاطر وده كان واضح في مشيته بسبب قلة الحيلة اللي حس بيها بعد كلمة صاحب محل الحلاقة.
هنا سأل "إسلام" نفسه سؤالا: هو أنا فعلًا ممكن اتحمل ذنب كسرة نِفس أو خاطر حد؟، طب مش يمكن الموقف ده إشارة لحاجة معينة؟، إيه كمية الضيق والخنقة اللي أنا حاسسهم المرة دي بالذات؟، قبل ما سيل الأسئلة يحاصر راسه أكتر من كده خرج من المحل جري عشان يدور على الطفل وفعلًا لقاه ودار بينهم الحديث العفوي ده: (تعالا يا حبيبي تقدر تحلق بـالفلوس اللي معاك وبأقل منها، أصل سعر حلاقة الأطفال بـ 5 جنيه بس يعني كمان هيفضل معاك فلوس تعمل بيها اللي أنت عايزه، أنا بس نسيت التسعيرة عشان ماكنتش مركز وأنت بتسألني).. وفعلًا حلق للطفل بـ 5 جنيه والطفل روح مبسوط.
رجع "إسلام" البيت بعد ما خلص شغل في المحل وحكى لوالده الموقف في نهاية اليوم.. والده اللي عنده ظروف صحية خاصة أشاد برد فعل ابنه وقال له إن الموقف ده له دلالة فأكد "إسلام" على نفس الإحساس فقرر الاتنين إنهم يغيروا تسعيرة الحلاقة في المحل بشكل كامل!
اتحول الموضوع لمبادرة إنسانية نبيلة أعلن عنها "إسلام" في بني سويف إن حلاقة الأطفال في محله بـ 5 جنيه، والكبار بـ 10 جنيه!.. بس كده؟.. لأ.. قرر "إسلام" إن الحلاقة لغير القادرين تبقى مجانية تمامًا، وأى حد عنده ظروف مرضية هيروح له لحد البيت يحلق له ببلاش!.
الناس استغربت من الموضوع ككل وبقى خلال أيام بسيطة محور حديث كل أهالي المحافظة للدرجة اللي خلّت الصحفي أنس سعد يروح لحد عنده عشان يتكلم مع "إسلام" ويفهم منه أكتر عن قراره ده فكان رد "إسلام" عليه: (موقف الطفل ده غير حياتي تمامًا، وخلاّني سألت نفسي إزاى أرد طفل محتاج!.. لما خرج من المحل بدون ما يحلق، أنا ضميري وجعني ورجعت جريت وراه علشان ألحقه، وقولتله هحلقلك بـ 5 جنيه بس، وقتها كان سعر حلاقة الطفل عندي 25 جنيه.. قبل المبادرة كان بيدخل جيبي يوميًا حوالي 500 جنيه لكن بعد المبادرة انخفض دخلي للنص لكني حاسس براحة نفسية كبيرة والحمدلله الإقبال كبير ودي معوضة دي).
مش شرط إن "إسلام" كان بيعمل حاجة لا سمح الله غلط فقرر يعمل الجدعنة اللي عملها مع الطفل ثم مع باقي الناس لكن الأكيد إن عقله استوعب الإشارة الربانية اللي جت له في زيارة الطفل عشان تخليه سبب في الخير لغيره وباب من أبواب ربنا لسعادة الناس، وهي نفسها الإشارة اللي بتقول إن مكانة الراجل ده بإذن الله عند ربنا كبيرة وبسببها هيفتح له أبواب رزقه.
مقال تامر عبده أمين إشارات بتغير حسابات
* الإشارات الربانية محاوطانا من كل اتجاه وفي كل وقت عشان تنورلنا السكك في كل الأمور.. بس فيه فرق بس شخص بيقرر يركز فيها ويشوفها ويعتبرها دليله، وشخص تاني بيقرر يتغاضى عنها بكامل إرادته بدون ما يديها ولو حتى دقيقة للتفكير فيها.. قبل كل خطوة، وأى قرار ربنا بيبعت الإشارات اللي تشاورلك على الاتجاه الصح بس شوفانك، واستيعابك ليها هما اللي مش دايمًا حاضرين وبيستخبوا ورا غشاوة من المكابرة، والعناد، والرفض!.. يمكن لسة فيه أمل في فلان.. يمكن الحال المهبب العلاني ينصلح.. يمكن نفس المعادلة بنفس العناصر هتديني نتيجة مختلفة.. يمكن مش قاصدين.. يمكن الحيطة اللي قافلة الطريق ده هتتكسر لما أخبط راسي فيها!.. المليون "يمكن" بتوعك سبقهم مليون إشارة تم تجاهلهم، وجه بعدهم سيل من التبرير الأهبل لحقيقة هي نفسها قالت لك إنها كذبة بس أنت مازلت مصمم تشوفها بغير حقيقتها.. فيه مقولة بتقول: "أعطِ الإشارات قدرها".. عشان خاطر صحتك، ووقتك، ونفسك من فضلك كفاية غباء وأعطِ الإشارات قدرها.