الجمعة 08 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الهجرة النبوية.. وتأصيل حب الوطن في النفوس

الخميس 04/يوليو/2024 - 06:02 م

الهجرة النبوية التي قام بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بصحبة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كانت القول الفصل بين إرساء العقيدة وإقامة الدين، وبين موروث الجاهلية والكفر بالذات الإلهية، فرحلة نبينا التي كانت منذ ما يقارب ألف وخمسمائة عام هي رحلة خاتم الرسل ونهاية الرسالات الإلهية، وبها انتهى عصر الوحي وانقطاع الاتصال بين السماء والأرض من حيث الكتب السماوية، فبحق كانت الهجرة النبوية رسالة رب العالمين إلى البشرية أجمعين، فكانت رسالة نبينا هي رسالة أخلاق ومبادئ ورحمة بعد عصور الجاهلية التي كانت تعلوها حروب ودمار وعبودية البشر للبشر وسفك الدماء على حسب اللون والجنس، وكان فيها القوي يأكل الضعيف، وساد فيها قانون الغاب وغابت عنها العدالة والأخلاق الكريمة عن العلاقة البشرية، فكان وأد البنات خشية العار ثقافة الشعوب والقبائل، فجاء الإسلام ليجمع البشرية على كلمة سواء وهو التعايش السلمي بين الجميع.

وإذا نظرنا كيف أن رسولنا الكريم ترك وطنه من أجل نشر دعوته وإبلاغ رسالته إلى الخلق أجمعين، وكيف أن رسولنا عند خروجه من مكة كان ينظر إليها ويقول والله إنك احب البلاد إلى الله وأحب البلاد إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت.

ففي الوقت الذي هاجر الصحابة وطنهم مكة فرارا بدينهم لم يكن كرها لوطنهم ولكن للحفاظ على دينهم الوليد، لذا رأينا أن التواصل والحنين كان متواصلا بين المهاجرين واهلهم في وطنهم الام مكة، ولما منَّ الله على النبي صلى الله عليه وسلم بفتح مكة، عَفّى عن أهلها، ولم يرفع في وجوههم سيف الانتقام، بل أظهر لهم من مكارم الأخلاق وجميل الصفات ما جعلهم يتوارون عنه خجلًا وحياءً، ودخل وطنه مكة في أكمل صور التواضع والرحمة، معربًا لأهله عن تقديره لموطن النشأة والبلد الذي ترعرع فيه، وشبَّ وأفاد من قيمه وخيره، في صورة برَّاقة من صور العفو والصَّفح والتسامح، ليكمل مسيرة البناء والتعمير، فوصَّى أصحابَه أن يحافظوا على كل شبرٍ في وطنه بألَّا يقتلوا أحدًا، ولا يقطعوا شجرة، ولا يهدموا بيتًا، وأن يرفعوا شعار الأمن والأمان لكل الناس.

إنَّ حب الوطن والمحافظة عليه فطرةٌ إنسانيّة، تجرَّد عنها ومنها أصحاب القلوب الفظّة، والعقول المغلقة، فحب الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء في وطنه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتُقص. 

فمن التعاليم الدينيّة والتوجيهات الربانيّة وما تحتوي عليه من معانٍ كفيلةٌ بإسعاد البشريّة، وتحقيق قيم الأخوة الإنسانيّة، والخروج بالبشريّة كلها من أزماتها الطاحنة، فمن دروس الهجرة الولاء للأوطان وحبّها وتعميرها، فمهما الجأتك ظروف الحياة البعد عن الوطن الأمّ، فعلى المواطن أن يبر الوطن، ويحسن إليه، ويحاول حسب إمكانياته نقل كافة وسائل العلم وأساليب الحياة، وأن يعمل على المساهمة في عمران المجتمعات والنهضة العلميّة والإصلاح وتطبيق كافة معاني الأخوة الإنسانيّة.

ففي الوقت الذي تدلنا فيه الهجرة النبوية إلى هذا المقصد النبيل نرى البعض من الذي عندهم مشكلة مع الدين، يزعمون أن حب الوطن يتعارض مع حب الدين ويرفعون شعار (من قدم دينه على وطنه فهو خائن!!!) هكذا نراهم يتاجرون بالأوطان دون وجه حق، ونسي هؤلاء أن الدين يمثل الروح للإنسان والوطن يمثل الجسد للإنسان فكلاهما يكمل الاخر ولذا نجد أشد الناس وطنية هم أكثرهم فهما للدين بالاعتقاد السليم.

تابع مواقعنا