اقتصاديات الطاقة 3.. حلاوة البدايات
تابعت بترقب شديد التعديل الوزاري الأخير وما حظي به من زخم شديد، بداية من الترشيحات مرورا بتغيرات اللحظة الأخيرة حتى حلف اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية أمس، وبصرف النظر عن الكواليس الدسمة التي لاحقت هذا التشكيل وشخصياته، فإن دلالته ورؤيته العامة وتصريحات عناصره هي التي جذبت انتباهي بشكل أكبر خاصة في الملف الاقتصادي -الطاقة تحديدا.
وبعد تهنئة الجميع وتمني التوفيق خاصة مع الظرف الحرج الذي تمر به الدولة من معاناة مواطنيها وتردي وضعها الاقتصادي بالشكل الذي يصعب المسئولية، أرى أن تصريحات الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء وتصريحات المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية الجديد، عقب الإدلاء بحلف اليمين، تمثل الأهم بين مثيلاتها التي خرجت من باقي الوزراء الجدد، خاصة وأنها ترتبط أساسا بالمشكلة الآنية التي يعانيها المواطن والدولة بشكل عام، حيث تمحور حديث بدوي عن العمل بشكل جدي على إنهاء أزمة انقطاع الكهرباء بتوفير الوقود اللازم للمحطات حتى تعمل بالطاقة التي تغطي حجم الاستهلاك سواء للمنازل أو المصانع، وأن وزارته سوف تعمل على زيادة الإنتاج والتركيز على الاكتشافات الجديدة في المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى تنمية العنصر البشري وجذب استثمارات أجنبية لقطاع الطاقة في مصر.
كذلك صرح الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، بأنه حريص على خفض نسبة الفقد بالشبكة الكهربائية ويضع ذلك على رأس أولوياته خلال الفترة المقبلة.
أيضا خرجت التصريحات الصادرة عن مركز معلومات مجلس الوزراء بالتكليفات الصادرة للوزيرين معبرة عن اختفاء لحالة "الشيوع" التي تسيدت مشهد أزمة الكهرباء في مصر، فنقاط عمل الوزيرين الجدد التي حملها البيان تمس صلب مشكلة الكهرباء في شقيها والتي تتحمل فيها وزارة البترول نصيب الأسد من المشكلة.
الشق الأول والذي يخص البترول تحدث عن إمدادات الوقود ومعالجة تراجع الإنتاج خاصة مع توقف الاكتشافات الجديدة، وهو ما طرحته في المقال السابق من سلسلة اقتصاديات الطاقة مطالبا بضرورة العمل سريعا سد العجز في إمدادات الطاقة من خلال التعاقد على شحنات غاز، بالإضافة إلى سد مستحقات الشركات الأجنبية لاستئناف عمليات الكشف والتطوير لحقول أخرى، تمهيدا لعملية إدارة رشيدة لملف الطاقة خاصة في دورات العجز.
الشق الثاني الذي يخص وزارة الكهرباء تحدث عن كفاءة تشغيل المحطات، والاعتماد على الطاقة المتجددة وترشيد استهلاك الكهرباء.
لكن يظل ما تم طرحه مفتقدا مزيدا من التوضيحات والتفاصيل خاصة وأنه لم يجب بشكل صريح عن الأهداف الكمية المتوقعة من زيادة الإنتاج مثلا بالنسبة لوزارة البترول، أما بالنسبة لوزارة الكهرباء، فلم يجب ايضا عن مقدار زيادة الشبكة من الطاقة المتجددة أو مقدار تحسن كفاءة التشغيل بمقارنة بالوضع الحالي وكذلك مستهدفات ترشيد الاستهلاك والفقد.
أتمنى للوزيرين الجدد التوفيق في ترجمة تلك النقاط التي تحدث عنها البيان لخطط على أرض الواقع، لتجد مسارها نحو حل الأزمة الحالية التي تسربت من انقطاع الكهرباء للمنازل إلى مصانع الإنتاج، آملا في رؤى أشمل لإرساء قواعد استدامة ملف الطاقة مستقبلا، في ظل أن أي إشكاليات به تلقى صداها في الشارع مباشرة وقد تفسد أي خطط تنموية من شأنها دعم اقتصاد الدولة والمواطن على حد السواء، حيث أصبح بمثابة فرض العين ضرورة العمل على إيجاد فريق عمل متخصص مشترك بين الكهرباء والبترول بإدارة متخصصين فى اقتصاديات الطاقة للعمل على دراسة معتبرة تكون نواة للتخطيط الاستراتيجي للطاقة فى مصر، وأن ينتهي هذا الفريق من توصياته خلال 3 أشهر بحد أقصى، عملا على توحيد الجهود في هذا الملف.
أما بشكل عام ورغم الإبقاء على رأس الحكومة في التعديل الجديد، فإن هناك حاجة ماسة إلى تغيير كامل في السياسات خاصة لتلك التي تختص بالملف الاقتصادي برمته، حتى نتحول من خطط مسايرة الوضع يوما بيوم إلى رؤى وخطط شاملة محددة المعالم ومستهدفات مرفقة بمؤشرات أداء ومعدل تنفيذ فعلي، وهو ما يتفق مع أساسيات الإدارة الحقيقية ومفاهيم علم الاقتصاد.
لست متفائلا أو متشائما من التعديل الوزاري الأخير، فالأمور لا تدار بالمشاعر أو النوايا، وأظن أن الأيام القليلة القادمة سوف تحمل مؤشرات على ذلك، بالشكل الذي يُمكن من تحليل الأداء بشكل فعلي لا الاكتفاء بحلاوة البدايات التي ربما حملتها تصريحات الوزراء الجدد.
آمل أن يُعطى كل وزير الفرصة لمعالجة إشكاليات ملفه، وأن يكون هناك إعلاء حقيقي لأسس الإدارة الرشيدة بشكل يعفي من الأكروباتيات التي تزيد الأمور تعقيدا.