رسالة بعلم الوصول
أصبح لدينا حكومة جديدة، بدأت مهام عملها فور حلف اليمين أمام رئيس الجمهورية، وسوف تعرض برنامجها أمام البرلمان الاثنين المقبل.
اعتقد أن الحكومة الجديدة جاءت وهي تعرف جيدا كل أوجه القصور من الحكومة السابقة، وما يعانيه المواطن المصري، والتي نتمنى أن تعمل على إعادة كسب ثقة المواطنين، والحصول على الرضا الشعبي في كل المحروسة.
ولا أدري هل تسلم الوزير الجديد الملفات من سلفه، هل حدث تسليم وتسلم للمحافظين، أم غادر الراحلون مهام مناصبهم دون تسليم الملفات.
لن نعلق على أسماء المكلفين ولا خلفياتهم الأيدلوجية والعلمية والمهنية، إنما نتمنى أن تتغير السياسات والتوجيهات إلى صالح المواطنين، لتصرف عنهم جميع المعاناة، التي تكبدوها طوال سنوات سابقة، أملا في أن يجدوا من يحنو عليهم، فقد تحملوا كل فاتورة إجراءات الإصلاح الاقتصادي، والحرب على الإرهاب بكل جسارة، وعلى الجانب الآخر كانت الحكومة تواصل إخفاقاتها المتتالية، ولا تصب إنجازاتها في صالح المواطنين.
قد يلومني البعض أن هناك إنجازات عظيمة تمت، لا يصعب حصرها، مشاريع قومية عملاقة زراعية وصناعية وكهربائية وفي البنية التحتية والطرق، ومئات المبادرات من سكن كريم وتكافل وكرامة وحياة كريمة وغيرها، ونحن لا ننكر ذلك، لكن تلك بدايات خاطئة وليست من الأولويات الضرورية، وكان بالإمكان الوصول الى تلك النتائج من مشاريع في الإنتاج الزراعي والصناعي والصناعات الصغيرة ودعم المستثمرين والمصنعين، ودعم المصانع المتعثرة، وتوطين الصناعة المصرية، والتعامل مع الواقع والاستفادة بما نمتلكه من مقومات طبيعية وبشرية.
فتتخيل قرية صغيرة تابعه لمحافظة الشرقية البسايسة، استطاعت أن تعتمد على الطاقة الشمسية في كل استخداماتها، عندما حولت كل أسطح منازلها إلى بطاريات للطاقة الشمسية، واستطاعت توليد البيوجاز من إعادة تدوير المخلفات الصلبة وروث الحيوانات، كما استطاعت توفير بدائل للأعلاف لتغذية حيواناتهم، وأصبحت من أهم القرى في توليد الكهرباء والغاز وصديقة للبيئة، وكل ذلك بفضل رجل من أبناء القرية دكتور صلاح عرفة، فهذا نموذج يجب أن يتم تعميمه في كل قرى مصر لأنها بداية الطريق للتنمية المستدامة، وكيف لا يتم التفكير في الاعتماد بشكل كبير على الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة، فالصين تنتج 35% من احتياجاتها من الطاقة الشمسية ونحن بلد شمسها ساطعة طوال العام.
كذلك قرية شبرا ملس في الغربية عانت منذ أيام من حريق مروع في محصولهم من الكتان، وعندما عدنا للبحث اتضح أنه ليس الحريق الأول في شون الكتان، إنما تكرر مرارا رغم أن إنتاجها يمثل 90% من محصول الكتان في مصر، و8% من الإنتاج العالمي، ويعمل أهلها في زراعة الكتان، وتعد بلجيكا والصين من أهم المستوردين، فكيف لقرية بتلك الأهمية لا يتم احتضانها ورعايتها وتوفير كل سبل الحماية الدائمة لمحصولهم، بل لماذا لا يتم توطين الصناعات الناتجة عن زراعة الكتان بدلا من تصديره؟
وقرية شبرا بلولة صاحبة الشهرة العالمية في زراعة الياسمين، الذى يصدر إلى فرنسا وبعض الدول الأوروبية لصناعة العطور، وغالبية أهل القرية يتعاملون في تلك الزراعة والصناعة، بداية من القطف وصولا إلى عجينة الياسمين، ويزرعون أيضا النرجس والبنفسج والقرنفل وغيرها من النباتات العطرية.
تلك أمثلة بسيطة لقرى تنتج وغيرها كثيرة في الفيوم وسوهاج بأخميم وباقي محافظات المحروسة، كيف لا يتم الاهتمام بهذا الإرث وتنميته ودعمه إلى أقصى حد ممكن للنهوض والارتقاء بكل منتجاتهم وتشجيعهم للتوسع في أنشطة بارعين في إتقانها، الأمثلة كثيرة في صناعة السجاد والأثاث والحرف اليدوية الكثيرة، فكل ذلك من الهوية المصرية التي ينبغي أن تكون في أولوياتنا ورعاية الحكومة لتذليل كل الصعوبات التي تقابلهم والترويج لمنتجاتهم.
سمعت صوت يقول إن حياة كريمة وصلت إليهم وأحييت القرى المنسية وانتشلتها من النسيان وأعادت لها الحياة، أنا لا أتكلم عن مباني وخدمات تقدم للمواطنين فهذا دور الحكومة وليس عطفا منها عليهم، إنما أعطني سنارة ولا تعطني سمكة.
إلى الحكومة الجديدة بوزرائها ومحافظيها وكل مسؤوليها، كل الملفات على الطاولة، كل توصيات الحوار الوطني ومخرجاته، كل توصيات المؤتمرات المختلفة اقتصادية واجتماعية وبيئية وسياسية واستثمارية معلومة للجميع، ورؤية مصر 2030 وجميع الاستراتيجيات الوطنية في كل المجالات، فدعونا نخرج الى مرحلة العمل، ويكون لدينا أولويات الحصول على الرضا الشعبي.
فغلاء الأسعار وإعادة انضباط السوق، والتخفيف عن كاهل المواطنين من الأعباء التي تؤرقهم أولوية ضرورية للنهوض بالصناعة المصرية وتوطينها لتقليل الواردات والتشجيع على الصادرات، ووقف الاقتراض فورا، والحد من التضخم، وتحسين مناخ الاستثمار لجذب مستثمرين أجانب ومحليين، وأن يكون لدينا مجموعة اقتصادية قادرة على الابتكار وتنفيذ خطة تنمية اقتصادية واجتماعية بما يتوافق مع إمكانياتنا، وأن ننتهي من استحقاق المحليات فقد طال أمد الانتظار، وأن نسعى لإصلاح هيكلي وإداري للدولة المصرية، وإطلاق العنان والفرص للقطاع الخاص في عملية التنمية، مع هيكلة وتطوير شركات القطاع العام وقطاع العمال وإعادة هيكلتها وتطويرها لتحقيق التنمية المرجوة منها، وتعزيز التحول إلى الرقمنة فنحن في عصر التكنولوجيا.
الاهتمام بالسياحة فلدينا كل المقومات التي تجعلنا المقصد الأول عالميا، شواطئ وأنهار وبحار وجبال وصحاري وإرث حضاري وتاريخي من كل العصور، ومسار العائلة المقدسة، ومحميات طبيعية وكل أنواع السياحة، ومع ذلك عاجزون على أن نكون في الريادة.
يجب أن يكون هناك نهضة صحية وتعليمية واجتماعية وثقافية، وأن يكون التغيير في النهج والنسق ليتوافق مع التغييرات التي تتم في العالم لنواكب حركة التطور.
لقد تابعت تصريحات الوزراء والمسؤولين بعد حلف اليمين، وأتمنى أن يظل هذا الشغف، وتتحول تلك التصريحات والوعود إلى واقع ويتم تنفيذها.
فكونوا أوفياء لما أقسمتم عليه، ودعوا أبوابكم مفتوحة، واسمعوا أصواتنا بآذان صاغية، فقد مللنا الوعود ولم نعد نستطيع الانصياع لأي نهج خاطئ، فالعجلة لن نسمح لها أن تتوقف أو أن تعود الى الوراء، ونحن مع تلك الحكومة تحديدا في حالة سباق إما أن تنصتوا وتكون أولويتكم الأولى مصلحة المواطن أو ترحلوا.
وعلى القيادة السياسية أن تعلم أن لا اقتصاد من دون سياسة ولا سياسة دون اقتصاد، فيجب فتح المجال السياسي وإطلاق الحريات وحرية الحركة للأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وإزالة كل أسباب الاحتقان وأن يجد الشعب من يحنو عليه، وكلنا داعمين لكل خطواتكم وجمهوريتنا الجديدة.