السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

وساوس قهرية

وساوس قهرية

الإثنين 22/يوليو/2024 - 04:12 م

لقد كانت غرفة مظلمة ضيقة، لها باب حديد ليس به إلا فتحة ضيقة للتهوية.

لقد وضعني فيها منذ وقت بعيد، ضيقة حتى أني لم أستطع أبدًا أن أمد قدمي إلى الأمام.. لا يمكنني الجلوس إلا في وضعية أشبه بوضع الجنين، أحتضن أطرافي ورأسي.

اعتدت أن أضع يدي بين ساقيّ عندما أنام، كنت عاجزة تمامًا عن الحركة بهذه الطريقة.. على الأقل لن تمتد بعيدًا عن حدودي.

كنت أسحب أنفاسي بشدة.. الهواء مكتوم خانق..

هل أمتلك تلك النظرة المخيفة.. هل طول انتظاري لسنوات طويلة في الظلام أثر على ملامح وجهي..

"لم أعرف وجهي، لم يكن لدى أبدًا مرآة".

لقد بكيت وانتحبت كثيرًا..

كنت أصرخ أحيانًا ولم يسمعني أحد أبدًا.. لم يأتِ أبدًا أي شخص..

كانت الغرفة ضيقة، جلس معي فيها كل الذين هربت منهم في حياتي..

هل يمكنك أن تتصور كيف تتسع غرفة لا أستطيع مد قدميّ فيها لكل هؤلاء!.

كان بينهم طفلة صغيرة تصرخ بفزع شديد ولا أحد مهتم بها، وامرأة تسب وتلعن الأوضاع الاقتصادية التي جعلتها عاجزة أمام طلبات أطفالها وخيانة زوجها.. كان هناك رجل صوته أجش يهددها بالضرب إذا خالفت أوامره التافهة.. لقد سألته نفس السؤال مرات ومرات "هل لا تهتم إلا بنفسك؟".

تخيل كان على استعداد أن يحطم أي شيء، والنساء أشياء عند هؤلاء؛ لأجل ألا ينظر له رجل آخر نظرة استهجان..

أنا الوحيدة داخل الغرفة التي تراهم رغم الظلام، بعض النور القادم من مكان ما لعله ثقب في الغرفة تدخل منه الحشرات، يمكنني من الرؤية في الظلام، لكنه على الجهة الأخرى من الغرفة حيث لا ينظر أحد.

في الأعلى تجلس جدة عجوز مريضة تتأكد دوما من أن الجميع تحتها، لا يجرؤ أحد على تجاوز الحدود، جميعهم يخافون منها رغم هشاشة جسدها.

هناك آخرون أسفل منهم لهم رائحة مقززة، وأنفاسهم كريهة يأكلون أجساد الأقرب إليهم قطعة قطعة..

“هل تسمعني؟”، "أم تدون بعض الأمور؟"، "ها"..

“اعتدت الرقص على أطراف أصابعي كي لا يشعر أحد بي، كنت أتحرك بينهم في تلك الغرفة الضيقة صعودا وهبوطا، حتى أصل لسقف الغرفة أتخطى حتى الجدة العجوز”، “سنوات طويلة لم يشعر بي أحد كانوا ينظرون إلى الأسفل حيث اعتادوا أن أرقد على جانبي الأيمن أتمتم بأدعية منجية من الشيطان الرجيم”، "لم أكن يوما في مكاني هذا الذي يظنون.. كنت في كل مكان داخل الغرفة الضيقة إلا أن أكون تحت أقدامهم".

نظرت نحوي بهدوء وأنا مستمرة في تدوين ملاحظاتي.

"هل تسمعني؟". نظرت لها مباشرة "أسمعك جيدا، بل أنا مهتم بكل حرف تنطقين به".

ابتسمت حتى هدأت ملامحها، غريب أنك تسمعني، لم يكن أحد يسمعني، رغم أن صوتي كان عاليا، “لم يسمعني أحد”، كانوا يحدقون نحوي مباشرة في الظلام، كنت لا أرى إلا عيونهم التي تنظر لشخص آخر ليس بيننا في الغرفة.

هل تعلم أني لا أريد العودة إلى غرفتي تلك!.. لا أنتظر، أريد أن أوضح لك الأمر بشكل أكثر صدقا، أنا لا أريد مغادرة الغرفة.. أريد أن يغادروها هم، هل يمكنك مساعدتي؟

نظرت نحوي وعيناها تكاد تتوسل أن أفعل لها شيئا، لكن للحظات قصيرة ثم نظرت للأسفل ثم احتضنت ساقيها ومالت على جنبها الأيمن ناظرة نحو الفراغ اللا شيء وتمتمت لنفسها "لو غادروا ماذا سيتبقى لي؟".

قمت من مكاني ثم اقتربت منها في هدوء، حاولي النوم الآن وغدا نكمل، لا ترهقي نفسك.

قررت ألا أغلق كل الأنوار وأن أترك بعض الموسيقى الهادئة حولها.

نظرت نحوها قبل مغادرتي الغرفة وقد رحلت عيناها لنوم عميق "أعلم أني أيضا ضمن سكان غرفتك المظلمة التي لم تغادريها أبدا".

تابع مواقعنا