المجرم الكاذب في الكونجرس
بخطاب عاطفي وكأنه ممثل بارع وقف نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي، ليوصل لهم رسالة مؤثرة وكأنه في حالة شجن ومظلومية، وأن أحداث السابع من أكتوبر تمثل 20 ضعف أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ويتبرأ من دماء الفلسطينيين المدنيين، ويقسم أنه لم يقتل مدنيا في رفح، ومن قتلهم إرهابيون، وأن سبب قتل عشرات المدنيين في رفح جاء نتيجة تفجير مخزن أسلحة لحماس.
وواصل كذبه بأن المتظاهرين أمام الكونجرس مدفوعين من إيران، التي ترسل فرق الموت لأمريكا، وتتمنى الموت لأمريكا وإسرائيل معا، وأنها تمول المظاهرات ضد إسرائيل، وأنها سبب كل الأعمال الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط.
وشكر الرئيس بايدن لأنه صهيوني فخور بصهيوينيته، ودوره الداعم لإسرائيل، وأن ما تفعله إسرائيل في حربها ضد حزب الله وحماس وإيران والحوثيين هو حمايه لأمريكا لأن أعدائنا هم أعدائكم ونصرنا هو نصركم وقتالنا هو قتالكم، وأن هزيمة حماس ستكون قاسية وضربة مميتة لإيران، وكل الصواريخ التي أطلقت علينا جعلت من الإسرائيليين لاجئين في بلادهم، وأنه يوعد الإسرائيليين والأمريكان بالنصر وتحرير الرهائن.
هو يريد من الأمريكان فقط لإنهاء الحرب بسرعة أن يحظى بدعم أكبر ليكون نصره سريع، وأنه يوعدهم بإنهاء الحرب لو قامت حماس بتسليم سلاحها وتسليم كل الرهائن، وفي حالة رفض حماس لن يوقف الحرب حتى يدمرهم تماما، وسيعيد الرهائن لتحقيق النصر الشامل عليهم، ويتخذ كل الإجراءات لحماية حدود إسرائيل، كما فعل مع الحوثيين ردا على اعتدائهم داخل إسرائيل.
وواصل المجرم تهديده للمحكمة الدولية، ونحن نعلم جيدا أن إسرائيل لم تحترم يوما لقرارات أممية أو مجلس الأمن طالما الإدارة الأمريكية تساندهم.
ثم رسم المجرم شكل غزة بعد القضاء على حماس، بمنطقة منزوعة السلاح، مسيطر عليها أمنيا، وحكومة مدنية فلسطينية، ولا وجود لحماس، إنما يريد جيل جديد يعيش بسلام مع إسرائيل، وهذا لن يتحقق إلا بالقضاء على هذا الإرهاب التي تمارسه حماس ومن يساندهم، وتناسى أنه قتل آلاف الأطفال بدم بارد وصمت دولي.
ثم واصل غروره وكأنه الحاكم الأول بالمنطقة كلها، أن منطقة الشرق الأوسط لن تنعم بسلام إلا بوجود تحالف عسكري أمريكي إسرائيلي للوقوف وفي وجه إيران عدوهم الحقيقي، بما فيهم الدول العربية الصديقة في المنطقة، وهو يقصد التحالف الإبراهيمي بين بعض الدول العربية والولايات المتحدة وإسرائيل تحت مظلة ترامب، وأنه علينا البناء للمستقبل على هذا التحالف، فهؤلاء هم أصدقاء إسرائيل محبين للسلام لتحويل الشرق الأوسط إلى واحة من السلام.
وشكر ترامب على كل ما فعله لإسرائيل، باعترافه للقدس عاصمة لإسرائيل، ونقله سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، ثم شدد على أن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، وكأنه يقول لنا العرب موتوا بغيظكم.
مارس المجرم هوايته في الكذب، بعواطف جياشة، جعل من الأجلاف يقفون أكثر من مرة تصفيقا، ولعب على وتيرة الانتخابات الأمريكية وبكل دبلوماسية وتودد شكر ترامب وبايدن.
ما أغضبني هو التصفيق الحار والحفاوة الكبرى من أعضاء الكونجرس لكل كذب نتنياهو، وأدين بالشكر لكل الأعضاء الذين رفضوا الحضور لسماع تلك الأكاذيب، وأعتقد أن نتنياهو نجح في خطابه باستقطاب هؤلاء الأجلاف من الكونجرس، الذين فقدوا عقولهم وصمت أذانهم وأعميت عيونهم عن كل ما يحدث في غزة من حرب إبادة ضد الفلسطينيين.
المجرم الذي تناسى عائلات الرهائن والمظاهرات اليومية داخل إسرائيل ضد سياسته، فهل ترعاها إيران أيضا داخل إسرائيل إن كانت هي من ترعاها داخل أمريكا كما ادعى.
لقد ضلل المجرم الصهيوني أعضاء الإدارة الأمريكية، فهو لم يلقى كل تلك الحفاوة داخل الكنيست الإسرائيلي ذاته.
فهل ذهب ليخاطب إسرائيل الذي ترفضه من داخل الكونجرس؟
صدق هؤلاء المصفقون كل الكذب وتناسوا كل الحطام والدمار الذي في غزة، آلاف من الشهداء والمصابين، وضع صحي خطير يؤدي إلى كارثة إنسانية مروعة، مجاعة قاسية ويدعى أنه مرر ملايين الأطنان من المواد الغذائية تسرقها حماس ولا تسلمها للمدنيين.
ملايين من الأحرار حول العالم في أوروبا وأمريكا وكل دول العالم خرجت ترفض تلك الحرب، نقلت كل وكالات الأنباء الصور الحقيقية لكل الدمار والخراب والوضع الإنساني الصعب، فهل كل هذا كذب أم خيال علمي أيها الأعضاء من مجلسي النواب والشيوخ.
هل كل النداءات التي أطلقتها المنظمات الحقوقية والإنسانية عن حقيقة الوضع الصعب في غزة كل هؤلاء كذبة ونتنياهو فقط هو من يملك الحقيقة.
الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية لو أرادت وقف تلك الحرب لفعلت، فأيديكم ملطخة بدماء الأبرياء من شعب فلسطين، وتواطؤكم مع هذا المجرم وصمة عار ستلاحقكم أينما كنتم.
على دول العالم الأبي المنادي للسلام أن يتدخل فورا لوقف الحرب، فكلمات الإدانة وعبارات الشجب لن تمحي خطيئتكم وخذلانكم.
وعلى السلطة الفلسطينية وكل الفلسطينيين توحيد صفوفهم وكلمتهم وكفاهم انشقاق وانقسام.
وعلى الدول العربية والإسلامية أن تكون حاضرة في المشهد بشكل فاعل، وأن يتحركوا في كل الاتجاهات ومع كل الدول الغربية والأمريكية لتشكيل لوبي حقيقي للضغط لوقف الحرب والوصول إلى حل الدولتين.