وزير الأوقاف الجزائري: النظام التشريعي للسنة النبوية مستند على العقيدة والأحكام والسلوك
قال الدكتور يوسف بلمهدي، وزير الشؤون الدينية والأوقاف بالجزائر، إن ما فعله المتأخرون من المالكية ابتداءً من العلَّامة ابن أبي زيد القيرواني في تأليف الفقه على ثلاث شعب “عقيدة، وأحكام، وسلوك”، هو منهج قرآني أصيل، تظهر فيه مسحة الجلال والجمال والكمال، إنه كلام الله الذي {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (سورة فصلت: الآية 42).
وأضاف -خلال كلمته في جلسة الوفود المنعقدة ضمن فعاليات مؤتمر دار الإفتاء العالمي التاسع ـ: ولا يخفى ما في القصص القرآني من تقرير لمبادئ الأخلاق السامية، والسلوكيات الراقية كالحياء الوارد في قصة ابنتي شعيب عليه السلام، والتواضع وعدم الخيلاء في وصايا لقمان لابنه، وغير ذلك ممَّا يشكل للمجتمع نسيجه المتماسك. ويقول الله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ} (سورة البقرة: الآية 178)، وهذه الآية الأخيرة وحدها جماع الخير الكثير ومعقد الفضل النمير، رغم أنها في باب القصاص والجنايات، فتأمَّل كم جمعت من دلالات الأخلاق والتوجيهات السلوكية وأعمال البر ما ينتزع منك التسبيح انتزاعًا، والسجود بين يدي الله خشوعًا واتباعًا، انظر إلى الكلمات التالية: العفو، الأخوة، المعروف، الأداء، الإحسان، التخفيف، الرحمة.
وأشار الوزير إلى أن السُّنة النبوية الشريفة وهي الوحي الثاني، جعلت نظامها التشريعي مركزًا على العقيدة والأحكام والسلوك، كما أنه في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما دليل هذه الوحدة المتماسكة في النظام الإسلامي، يقول سمعت رسول الله يقول: «إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُه، ألا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْب».
وزير الأوقاف الجزائري: السُّنة النبوية هي الوحي الثاني ونظامها التشريعي مركوز على العقيدة والأحكام والسلوك
وأضاف أن هذا الربط العجيب منه بين المعاملات المادية والقلب، بين الجانب الفقهي المالي والمادي والجانب التربوي السلوكي لمن أكبر الدلالات على أن التشريع لا يمكن أن يكون في معزل عن تربية النفس وتزكيتها بالأخلاق سواء تعلق الأمر بالأخلاق مع الله أو مع الخلق.
وأوضح أن مفهوم الفقه في الصدر الأول مجموع أحكام الدين، لذلك فالفقهاء أفضل من تلقَّوا الخير ونالوا الفضل للحديث: « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»، وقد شرح معنى الدين حديث جبريل في ثلاثية تشريعية متكاملة تجمع العقيدة والأحكام والأخلاق، حيث كانت الأسئلة عن الإسلام والإيمان والإحسان، فقال رسول الله للصحابة حين استغربوا سلوك هذا السائل الذي لم يعرفوه: «هَذَا جِبْرِيلُ جاءكم يُعَلِّمُكُمْ دِينِكُمْ» إنه الدين بكماله وتمامه، لا مجرد أحكام تتعلق بباب من أبواب الشريعة، فالمراد بالفقهاء في قول ابن عابدين: «العالمون بأحكام الله تعالى اعتقادًا وعملًا لأن تسمية الفروع فقهًا حادثة».
وأشار الوزير يوسف بلمهدي إلى أن إصدار الفتوى بوجه يسقط الكلفة، ويبرئ الذمة دون مراعاة مقصد الحكم من قبول ومعراج ووصول، جعل الناس تنسلخ من الدين وجوهره، وإن تمسكوا بشكله ومظهره، وهذا لعمري قاصمة الظهر.
وكلنا يعلم أهل النفاق الذين نبتوا في مجتمع المدينة نبت الشوك في حدائق الورد، حيث يقوم الصحابة بأعمالهم، ويقوم أولئك بأعمالهم، ولكن شتان بين كسلان ونشيط، وبين راضٍ وكارهٍ، وبين مستسلم ومتضمر، وبين متشوق محب وساخط خب {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (سورة الزمر: الآية 29).