ماسبيرو زمان أشعرتني بفقدان هويتنا الفنية
كنت أتصفح موقع فيسبوك كعادتي، وانزلقت في دوامة من المنشورات السريعة والصور العابرة، وفجأة توقف بي المؤشر أمام فيديو قصير من ماسبيرو زمان، لبلبة تطربنا بصوتها الجميل: “روح يا نسيم لأرضها سلم لي على اللي بحبها واشرح لها عن حالاتي"، وتسمرت أمام الشاشة، وكأن الوقت توقف، وغمرتني حركات لبلبة العفوية وطاقة الفرح التي كانت تنبض من كل حركة منها.
في تلك اللحظة، شعرت بحنين جارف إلى زمن الفن المصري القديم، زمن البساطة والجمال والأصالة، ودفعني الحنين إلى الدخول إلى صفحة قناة "ماسبيرو زمان" على "فيسبوك"، وهناك ضعت في عالم ساحر من الذكريات الجميلة.
شاهدت مقتطفات من حفلات الزمن الجميل لعمالقة مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، واستمتعت بمشاهد من روائع السينما المصرية التي علمتنا الحب والحياة.
لم يقتصر الأمر على الفن، بل أبحر بي "ماسبيرو زمان" أيضًا في عالم الإنشاد الديني مع أصوات خشعت لها القلوب مثل النُقشبندي ونصر الدين طوبار، وذكرتني بجمال التواشيح الدينية التي كانت تنعش الروح، وسط تلك الأجواء الساحرة، وجدتُ نفسي أتساءل: لماذا تغير كل شيء؟ لماذا لم يعد الفن الحالي بنفس السحر والجاذبية التي كان عليها قبل 50 عامًا؟ هل افتقدنا الموهبة أم الشغف أم أن الزمن الجميل قد رحل بغير رجعة، ربما تكمن الإجابة في البساطة والصدق والعفوية التي كانت تُميّز أعمال الفن القديم، وهي قيم يبدو أننا افتقدناها في زحام التقنيات الحديثة والتوجهات التجارية.
فبالرغم من بساطة الإمكانيات بأفلام الأبيض والأسود، إلا أنها كانت تتمتع بسحر خاص، فسواء كانت رومانسية مثل أعمال فاتن حمامة وعمر الشريف، أو تراجيدية مع يوسف وهبي وأمينة رزق، أو حتى كوميدية استعراضية بقيادة إسماعيل ياسين وشادية، كلها استطاعت أن تحفر مكانة خاصة في قلوب المصريين والعرب على حد سواء.
فالحوار كان تلقائيا ومتقنا، يعكس ثقافة وفكر المجتمع، ويحمل كلمات لا تنسى أصبحت جزءًا من ذاكرتنا الجماعية، والموسيقى والأغاني لم تكن مجرد “خلفية” للمشاهد، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من الأعمال، تتناغم مع الأحداث وتعبر عن مشاعر الشخصيات بكل صدق، بل ورافقتنا على مر السنين، أما الأداء فكان عفويا ونابعا من موهبة حقيقية صقلتها خبرات كبيرة جعلت من كل نظرة، وكل ابتسامة، وكل دمعة مصدرا للتأثير.
اليوم، ومع التطور التكنولوجي الهائل وإمكانيات الإنتاج الضخمة، يبدو أننا أضعنا البوصلة، فقد أصبحنا أمام كم هائل من الأعمال التي تفتقر لأبسط مقومات الفن الحقيقي، فالحوار ركيك والموسيقى مستنسخة والأداء ضعيف، فقد أصبح التركيز على "الشو" و"الإثارة" على حساب القصة والشخصيات والمضمون -الإ من رحم ربي-، لذلك لا ننكر وجود محاولات جادة لإعادة إحياء الفن المصري بشكله الراقي، إلا أنها تبقى محاولات خجولة تغرق في بحر التقليد الأعمى للأعمال الأجنبية أو تقع في فخ الاستسهال والمباشرة.
إن الشوق إلى "زمن الفن الجميل" يتردد صداه اليوم على ألسنة الكثيرين، وهو ما يتجلى في التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل الكبير مع قناة "ماسبيرو زمان".
فهل يشكل هذا الحنين رسالة واضحة لصناع الدراما والموسيقى اليوم للعودة إلى الجذور، واستلهام أعمالهم من إرث فني ثري والتعلم من أسراره بدلا من السقوط في فخ التقليد والابتذال؟
يبقى السؤال مطروحا، فهل من مجيب؟ أم أن "ماسبيرو زمان" ستبقى النافذة الوحيدة المطلة على "زمن الفن الجميل"؟