يحيى ليس ملحدًا
يأتى فيلم الملحد كخطوة جريئة في السينما العربية فهو لا يناقش تابو الدين وإنكاره، بل يناقش فكرة طرح أسئلة وجودية شائكة لطالما كانت حبيسة الصدور ومسكوتًا عنها في مجتمعاتنا العربية، ويخطئ من يظن أن الفيلم يهدف إلى الترويج للإلحاد بحد ذاته فالقضية أعمق من ذلك بكثير الملحد هو في المقام الأول رحلة صراع إنساني يجسدها بطل الفيلم يحيى الذي يجسد صراعه الداخلي ببراعة الممثل، بين إيمانه الراسخ من جهة وبين التساؤلات الوجودية التي تراوده من جهة أخرى خاصة بعد مروره بظروف قاسية تجعله يعيد النظر في معتقداته، والطبع السبب يعود إلى المجتمع والظروف المحيطة بالبطل والذي سمي على اسم نبينا يحيى عليه السلام.
إن طرح قضية الإلحاد في عمل سينمائي وبغض النظر عن الآراء المختلفة حولها، هو خطوة هامة تكسر حاجز الصمت، وتفتح الباب أمام نقاش جدي وحضاري حول قضايا مصيرية تلامس حياة كل فرد فينا فالاختلاف في المعتقد لا يجب أن يكون مصدرا للخلاف والصراع، بل يمكن أن يكون فرصة للنقاش وتبادل الآراء بروح من التسامح والاحترام، إن الأعمال الفنية الجريئة مثل الملحد تساهم فى تطوير وعي المجتمع ودفعه نحو مزيد من الانفتاح والتسامح، فهي تذكرنا بأن الحقيقة ليست حكرا على أحد وأن لكل إنسان الحق، في أن يفكر ويشكك ويعيد النظر في معتقداته دون خوف أو تهديد.
لذلك فإن عرض فيلم الملحد لا يشكل أي تهديد على المجتمع أو الدين بل على العكس تماما فهو فرصة للنقاش والتفكير والتطور، فهو يبرز البعد الإنساني ويركز على معاناة يحيى النفسية وصراعه الداخلي، فالفيلم ليس مجرد مناقشة فكرية باردة بل هو رحلة إنسانية عميقة، التأكيد على أهمية الحوار أبرز كيف يقدم الفيلم نماذج مختلفة من الشخصيات ذات الآراء المتباينة، وكيف يشجع على الحوار والتفاهم بدلا من التعصب والإقصاء، التطرق للرقابة على الفن يمكن أن تشير إلى أن منع مثل هذه الأفلام لن يساهم إلا في خلق جيل من التساؤلات المسكوت عنها في حين أن الحوار المفتوح والمنصف هو السبيل الأمثل لبناء مجتمع واعٍ ومتسامح، من خلال مقارنة الملحد بأعمال فنية أخرى سبق وطرحت قضية الإلحاد في السينما العربية أو العالمية، والتعرف على أوجه الشبه والاختلاف، مع تأكيد حرية الإبداع الفني ودوره فى مناقشة كل القضايا وطرح الأسئلة الجريئة دون قيد أو شرط.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه.. هل يمكن لفن السينما أن يساهم في تغيير النظرة المجتمعية حول قضايا شائكة؟
وهنا يتحتم على رجال الدين تكثيف الدعوة على وسائل التواصل الاجتماعي للإجابة على أسئلة الشباب وللحد من انتشار فكرة "الإلحاد" اللفظ الذي أصبح سائدًا بسبب التكنولوجيا والانفتاح على العالم الخارجي.