رائحة الرماد
* لما بدأت قصة حب "برلينا"، و"جاك" الشابين الأمريكيين كانت قصة حب مٌلفتة للنظر بشكل كبير.. والسبب؟.. إنك لما تبص في وشوشهم كـ جار ليهم أو زميل في الجامعة هتكتشف إن الاتنين شبه بعض!.
هما لا قرايب ولا كانوا يعرفوا بعض قبل المرحلة الجامعية بس مع الوقت اتحولوا وبقوا شبه بعض جدًا حتى في الملامح الشكلية!.. وهو ده ممكن علميًا أصلًا؟.. محدش عارف بس الشيء الأكيد إن غير شبه الشكل هما كمان بقوا شبه بعض في اللزمات بتاعت الكلام أو حركات الإيد أو طريقة المشية وغيرهم.. طيب عظيم.. العظيم أكتر إنهم اتجوزوا بسرعة وبشكل رسمي وبمجرد التخرج.. لحد هنا تمام برضه.
لكن للأسف اللي مش تمام هو إن وبمجرد دخولهم الحياة الزوجية بإلتزاماتها وظروفها ومشاكلها بدأوا يكتشفوا هشاشة الحب اللي كان.. الحقيقة إن اللي بدأ يكتشف ده هي "برلينا" مش "جاك" لإن الأستاذ كان السبب في كتير من التغيرات اللي حصلت في علاقتهم.
أولًا منعها بشكل تام عن مقابلة كل زميلاتها البنات اللي يعتبروا جزء لا يتجزأ من حياتها واللي أساسًا عددهم 3 بس جمعتهم على مدار سنين حياتها سواء في الدراسة وهي طفلة أو في الجامعة.. لأ.. دول مايدخلوش بيتنا ولا تروحي تزوريهم في بيتهم.. ليه؟.. أهو هو كده، ولو مصممة على إجابة فعشان مش برتاح لهم.. حاضر.. أيوا بالظبط زى ما قريت كده "برلينا" اشترت خاطر جوزها اللي بتحبه وكان الثمن هو بعدها على زميلاتها.
بعدها بفترة ظهرت النغمة الجديدة!.. أهلك مش لُطاف وأنا مش بحبهم بسبب إنهم فضوليين وبيحشروا مناخيرهم في كل حاجة.. طب والعمل؟.. أنا ماحبش إنهم ييجوا يزورونا أو إنتي تزوريهم.. بس أنا حامل ومحتاجة والدتي جنبي خصوصًا إني مش بشتغل وإنها ساكنة قريب مني!.. ليه هتخليني أتحرم من وجود والدتي؟.. أهو هو كده، وكلامي يتنفذ.. حاضر.. أيوا وافقت للمرة التانية عشان تشتري خاطره.
ربنا رزقهم ببنوتة جميلة سموها "شيري" وكانت مالية عليهم حياتهم.. بالتوازي مع وصول "شيري" هانم للدنيا كان "جاك" بدأ يتطور في شغله ويترقى وبقى له مكانة مميزة في شركة المقاولات اللي بيشتغل فيها وده أضطره إنه يسافر كتير على فترات متقاربة.
ولما حاولت "برلينا" إنها تشتكيله إن البُعد ده مش أفضل حاجة بتحصل في التوقيت ده من علاقتهم كان رده شبه ردنا كمصريين أو كعرب لما قال لها بما معناه: (وهو أنا بعمل كل كده عشان مين مش عشانك أنت والبيت والبنت؟).. والمحصلة في النهاية صفر!.. طيب البنت أهي كبرت وبقت بتروح الحضانة إيه رأيك إني أشتغل أى شغلانة عشان أشغل وقتي بدل قعدتي في البيت المستمرة من 4 سنين دي واللي جابتلي إكتئاب.. رفض.. حاولت تاني.. رفض تاني.. حاولت تالت.
وافق تحت ضغط وإلحاح أقرب صديق له لما "برلينا" لجأت له عشان يتدخل.. بس وافق بشرط.. إن الشغل يكون أون لاين يعني مفيش خروج من البيت.. وافقت.. "برلينا" أساسًا من الناس اللي ذوقهم حلو في الديكورات عشان كده كانت المهنة الأنسب إنها تشتغل مهندسة ديكور أون لاين!.
الموضوع في البداية كان صعب لإن من ضروريات المهنة إنك كمهندس تروح وتعاين الموقع لكنها والتزامًا منها بوعدها لجوزها مارضيتش تتصرف من دماغها أو تخرج خالص في الخباثة كده!.. لأ.
كانت بتتشرط على كل العملاء بتوعها إنهم يصورولها المكان بالتفصيل وكانت بتديهم التصميمات أون لاين.. صحيح الطريقة دي كانت مخففة الشغل عليها شوية في البداية لكنها وعشان هي شاطرة فعلًا قدرت تثبت نفسها وتبقى واحدة من أهم الأسماء في المجال.
على الناحية التانية كان إنشغال "جاك" الدائم هو السبب في إن عينه تزوغ على زميلة له موجودة في المكتب معاه!.. والغريب إنهم اتفقوا يعيشوا سوا في بيت جديد اشتراه ليها بدون جواز لإنه بالفعل متجوز.. تمت الأمور بسرعة و"برلينا" مش عارفة حاجة لحد ما في يوم جاتلها سيدة عايزاها تعمل لها الديكور بتاع بيتها الجديد ووافقت وأثناء ما السيدة بتصور لها أبعاد البيت لمحت "برلينا" صورة لـ "جاك" مع السيدة دي متعلقة على الحيطة!.. كانت هي الصورة الوحيدة المتعلقة على الحيطة!.. أيوا صح السيدة هي نفسها زميلة "جاك".
طبعًا اتجننت وواجهت جوزها وعرفت منه إنه مرتبط بواحدة تانية وكان بيقول المعلومة بمنتهى البجاحة اللي هو اللي عندك إعمليه.. المشكلة إن وبكل المعايير الشكلية أو الأخلاقية أو الإنسانية كفة "برلينا" هي اللي تطب قصاد الزميلة دي اللي مافيهاش أى نقطة تميز عنها وده اللي بيثبت إن ده تصرف رمرمة من "جاك" لمجرد الرمرمة.
هنا قررت "برلينا" إنها تنفصل.. الغريب إن "جاك" وافق!.. موافقته كان سببها إنه عارف إن "برلينا" لوحدها مش هتقدر تصرف على البيت والبنت بالذات إن فلوس شغلها الأون لاين بيجيب فلوس أيوا بس مش للدرجة اللي هتخليها تقدر تصرف على البنت والبيت زى ما هو كان بيعمل.. انفصلوا.
راحت "برلينا" عاشت في شقة صغيرة ومعاها بنتها.. أول حاجة عملتها إنها راجعت السنين اللي فاتت من حياتها وحذفت كل قرار كان "جاك" سبب فيه.. رجعت تتواصل مع صديقاتها.. رجعت تتواصل مع والدتها.. نزلت تشتغل على الأرض وتروح تعاين الأماكن وشغلها بدأ يكبر.. على الناحية التانية وماتعرفش بسبب تدابير القدر ولا الانتقام الرباني كان الحال بيتدحدر بـ "جاك" في شغله وزميلته سرقته بعد ما ضحكت عليه وده عمل له تشويش في تركيزه وبقى مجرد موظف عادي في الشركة اللي في لحظة من اللحظات كان واحد من أهم 4 فيها!.
أسهم "برلينا" وقيمتها واسمها بيزيدوا، وقيمة واسم ومكانة "جاك" بينزلوا لسابع أرض.. حاول "جاك" كتير إنه يرجع لها وإنهم يتصافوا بس هي كانت بترفض بشدة، وهو وصل بيه البجاحة إنه كان مستغرب من رفضها المتواصل ودايمًا يقول لها أنا مش عارف القسوة بتاعتك دي إزاى ماشوفتهاش!.. إنتي كنتي بتخدعيني بالطيبة الزائفة بتاعتك.. يا سلام!.. طب وبالنسبة للي أنت عملته؟.. ماكنش يرد.
كل المحاولات اللي فاتت كان تليفونية وكانت كلها بتنتهي بقفل السكة من "جاك" وهو بيشتم وبيتهم "برلينا" بالظلم.. سنة واحدة بس كانت كفيلة إنها تخلي "برلينا وايت" واحدة من أهم مهندسين الديكور في ولاية ماريلاند وتحديدًا في العاصمة "أنابوليس".
في يوم وهي خارجة من السوبر ماركت وكان معاها بنتها ووالدتها قابلت "جاك" في وشها.. جاى طالب السماح ومستنكر عليها رفضها المستمر لكده.. الجدة أخدت البنت الصغيرة وسبقت على العربية وسابت "برلينا" مع "جاك".
ولأول مرة ردت "برلينا" على ادعاءات وتصرفات "جاك" معاها وجهًا لوجه وقالت له إنها نفس الشخصين.. الشخصية الطيبة اللي كانت بتحبه من كل قلبها، وهي برضه الشخصية اللي بقت مهتمة بنفسها وبشغلها وبمستقبلها واللي قررت إن تصرفاتها ماتبقاش رهن إشارة قلبها وبس.. رصت له كل اللي كانت بتفوته، وكل المواقف اللي وقفت فيها في صفه لمجرد إنه كان عايز كده.. فكرته بخيانته وجحوده وظلمه ليها.
فكرته بحصاره ليها بين 4 حيطان وإلغاءه لشخصيتها.. اتكلمت في كل حاجة وهو ماردش بولا حرف.. وختمت كلامها معاه إنه مستغرب من رد فعلها رغم إن فعله كان أقسى وأكتر ألمًا لكنها معندهاش أى ذرة تأنيب ضمير على بعدها عنها، ومعندهاش أى استعداد تدي فرصة جديدة لشخص خيب ظنها والعناد والكبر خلوه لحد اللحظة دي مش عارف يحس إنه غلطان.
* قلب الترابيزة، وعكس الحقائق، وتحويل صاحب الحق لمحقوق، والإيحاء بإن رد الفعل هو الأصل مع نسيان الفعل نفسه؛ هما أسوأ تصرفات تصدر من إنسان تجاه غيره.
بإيدك أنت مش بإيد حد تاني إن الشخصية الطيبة اللي كانت تتمنالك الرضا ترضى تفضل على نفس صورتها، أو إنها تتحول لشخص فقد إيمانه بيك بسبب تصرفاتك فتشوف منه معاملة ماتتمناش زيها لأعدائك.
كل واحد عارف مكانه فين في القصة، وفاهم تصرفات نفسه كويس.. الشعبطة في رد الفعل واتهامك لصاحب رد الفعل بالظلم أو إنه اتغير أو جه عليك مش أكتر من لعب عيال لإن الصح صح ومعروف ومتشاف، والغلط غلط ومعروف ومتشاف.
قبل ما تشاور وتتهم غيرك بصباع السبابة إنه عمل كذا وكذا وكذا خليك متأكد الأول إن مفيش 3 من صوابعك بيشاوروا عليك أنت كمان في نفس اللحظة.
الكاتب "دوستويفسكي" قال: (كنت أحترق، بينما جئت أنت تلومني على رائحة الرماد).