الكلمة التلمة
عندي من الشجاعة النفسية إني اعترف إن جزء مهم من شخصيتي اختلف واتغير بعد فبراير 2023، بقيت أكتر حرصًا في تنقية كلامي سواء اللي بنطقه، أو اللي بكتبه، أو حتى اللي بسمعه من خلال إني لو لقيت حد قال لي كلمة مش لطيفة مش بخلي الموقف يمر بدون تنبيهه لده.
الدبش اللي بيخرج في صورة كلام ساعات كتير بيبقى أكثر ضررًا من مليون سكينة تلمة بتنزل تشرح النفسية تشريح، طب أنا مين عشان أكون الشخص اللي يعمل في غيره كده! أو ليه أقبل إن شخص تاني يعمل معايا كده! لأ، الله الغني، والكلمة الطيبة الحلوة تكسب، وشوية مسك للنفس في لحظة الغضب، وتمرير الكلام على العقل قبل ما ينطقه اللسان مش شيء عيب.
التغير ده حصل معايا تحديدًا بعد موضوع صحفي مهم تم نشره في موقع القاهرة 24 عن بنت جميلة اسمها رودينا، وكان عندها وقتها 16 سنة وبتدرس في أولى ثانوي، بنت فيها من سمار النيل، وخفة دم المصريين، ومتفوقة في دراستها وبتطلع الأولى وكل الأساتذة بتوعها بيشهدوا بتربيتها وبتفوقها، بنت في حالها وزي النسمة ومحدش كان بيسمع لها حس، بس ده للأسف معجبش زميلاتها، أو على وجه الدقة معجبش غرورهم، وغيرتهم!
الموضوع بدأ بغلاسة اتعرضت ليها رودينا من شلة من زميلاتها في الفصل اللي بدأوا يكتبوا أسماءهم على الكرسي بتاعها، وعلى الديسك! أهو غلاسة لمجرد الغلاسة كده وخلاص رودينا اعترضت، زودوا الغلاسة أكتر، اعترضت أكتر، زودوا الغلاسة أكتر وأكتر، لكن ولإنها مش بتقدر ترد ولا تجاري قلة الأدب سكتت، وصلت لمرحلة بكت وسكتت، هما سكتوا؟ لأ، سمعوها كلام من نوعية: إيه ده هو أنتِ بتحسي؟، أنتِ إزاي مستحملة شكلك ده، أنتِ مش شايفة عاملة إزاي، حتى لما حاولت تلعب معاهم في الفسحة صدوها ونفس البنت اللي تنمرت عليها قالت لها: أنتِ مش من مستوانا، اليوم قفل قفلة تقيلة نفسيًا على رودينا اللي روحت بيتهم وهي منهارة من العياط.
والدها حاول يخفف عنها وقال لها إن ده بيحصل بين كل الطلاب وإنه هيقدم شكوى لإدارة المدرسة، قفلت على نفسها ومارضيتش تاكل ولا تشرب، أختها سألتها عن سبب عزلتها قالتلها اللي زميلاتها قالوه، وبعد ما حكت لأختها سألتها: هو أنا فعلًا شكلي وحش؟ أختها قالت لها لأ طبعًا وهما مش فاهمين حاجة وأنتِ زي القمر، كلام أسرتها معاها ماكنش كافي لإن سكاكين الكلام اللي سمعته من البنات كانت قاسية، بعد كام ساعة وبسبب الحزن والقهرة رودينا وقعت من طولها في البيت واتوفت، أزمة قلبية حادة، وطبعًا تقدر تفهم السبب بسهولة، وزارة التربية والتعليم قالت وقتها إنها هتحقق في الموضوع، وطبعًا لا كان فيه تحقيق، ولا نتيجة عرفناها، وراحت حياة بنت زي النسمة دون سبب إلا قلة رباية زميلاتها..
الكلمة بتقتل، والحزن بيقتل، كلمة ممكن تخسف بنفسية الإنسان لسابع أرض، وكلمة تانية ترفعه لسابع سما، قلة الرباية دوبّت الفرق بين اللي يصح واللي ميصحش وخلّت التنمر والرزالة وقلة القيمة وقلة الأدب هما أساس التعامل، وناس كتير مشاعرها تبلدت من العك اللي اتربوا عليه! الناس بتعرف تخلف وبتنسى تربي، كلموا غيركم عن الحلو اللي فيهم قبل فوات الأوان، يمكن يكون محتاج يسمع كلامك ده في الوقت ده، كمية الحب اللي بتطلع للغير بعد ما بيمشوا لو كانوا شافوا وحسوا ربعها في حياتهم جايز كانت تبقي سبب في تحسن نفسيتهم ولو للحظات، الأديب والشاعر عبدالرحمن الشرقاوي قال: الكَلِمَة نور وبَعْضُ الكَلِمَات قبور.