غزة تحسم الانتخابات الأمريكية
التاريخ يعيد نفسه دائما في الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالطريق إلى البيت الأبيض والجلوس على كرسي الحكم، حينها فقط تسقط كل المبادئ، وتذهب إلى الجحيم قيم راسخة مثل، العدل، والحق، والخير، وتسود فقط الميكافيلية، والانتهازية.
موقف مرشحا الانتخابات الرئاسية كاملا هاريس، ودونالد ترامب، من جريمة نحر الفلسطينيين في غزة، أبرز مثال على ذلك، فالاثنان دخلا ما يشبه المزاد، لاسترضاء دولة الكيان على حساب فلسطين، تلك البقعة متناهية الصغر والضعف على سطح الكرة الأرضية، بهدف وحيد هو حصد أصوات يهود أمريكا.
هاريس، التي وصفت وحشية إسرائيل المفرطة في غزة من قبل بأنها تدمي القلوب، مطالبة بوقفها فورا، تراجعت، وأعلنت حق تل أبيب في الدفاع عن نفسها، بل وتعهدت بتزويدها بالسلاح حال فوزها، هكذا تحولت بين عشية وضحاها من حمل وديع، إلى مريضة بشهوة السلطة.
أما ترامب، يتكئ على تاريخ طويل من الانحياز لدولة الاحتلال، وخلال فترة رئاسته للولايات المتحدة، وقع قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، مخالفا عرفا سار عليه أسلافه لعقود، كما أنه ساعدها في تطبيع علاقاتها مع عدد من الدول، وطوال فترة حكمه عمل على ترسيخ جذورها في المنطقة، رغم ذلك أعاد تقديم نفسه، وطالب إسرائيل بسرعة إنهاء مجزرتها في غزة وليس وقفها ليحظى برضاها.
هذه قواعد تحكم الانتخابات الأمريكية ومن يخالفها يكون عرضة للانتحار السياسي، كما قال الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، في كتابه فلسطين: سلام.. لا فصل عنصري، الذي قدم فيه حقائق عن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يعرفها الشعب الأمريكي، بسبب النشاط الهائل للوبي المؤيد لإسرائيل وغياب أصوات معارضة فاعلة، وتعرض بسببه لانتقادات شديدة واتهامات بمعاداة السامية.
هيلاري كلينتون استوعبت الدرس على ما يبدو، وذهبت إلى اليهود في عقر دارهم، وقالت خلال حملتها الانتخابية، أمام المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية -ايباك-، قبل ثماني سنوات في واشنطن، إن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى رئيس محايد في علاقتها مع إسرائيل، ولا إلى سياسة خارجية تهين أصدقائها، في إشارة إلى تل أبيب.
هذا الانحياز أصبح بمرور الوقت أشبه بالبوصلة لكل من يطمح في العبور إلى البيت الأبيض، حتى أن جو بايدن الرئيس الأمريكي الحالي، وصف نفسه ذات مرة بأنه صهيوني، وأنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لوجب اختراعها، في مداهنة فجة لدولة الكيان.
الموضوع ليس وليد اللحظة إذن، وليس قاصرا على ترامب وهاريس، ودائما كانت القضية الفلسطينية حاضرة في السياسة الأمريكية، ومنذ اعتراف الرئيس هاري ترومان بإسرائيل بعد دقائق من إعلان قيامها عام 1948، قد تختلف الوجوه لكن الهدف واحد دائما، وهو استرضاء إسرائيل.
كأن قدر الفلسطينيين أن يسددوا فاتورة هذا الصراع الذي يحتدم كل أربع سنوات، حتى وإن كان الثمن هو ذبحهم هم وأطفالهم واستباحة أعراضهم وأرضهم.