مكالمات ووثائق سرية.. تحقيق يكشف ما جرى في إسرائيل يوم 7 أكتوبر بعد عام من الحرب
وصمة عار على إسرائيل.. لا تزال تلك الكلمة أكثر التعليقات المتداولة في الداخل الإسرائيلي لوصف طوفان الأقصى عقب مرور عام كامل، رغم الجرائم والمذابح التي ارتكبتها إسرائيل بحق مواطني قطاع غزة، ما أثار تساؤلا عما وصلت إليه تحقيقات السابع من أكتوبر داخل صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي وفي أجهزة الكيان المختلفة.
القناة الـ 12 العبرية، من جانبها كشفت خلال الساعات الماضية في تحقيق نشرته على موقعها، أزاح الستار عما وصفته بعمق الفشل وتسلسل الأحداث التي أدت إلى طوفان الأقصى، إذ أشارت إلى أنه بالعودة إلى ما قبل طوفان الأقصى والتدقيق في سلوك كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، تبين وجود تقييمات خاطئة لكبار الضباط، وقرارات حاسمة لم يتم اتخاذها.
تقييم خاطئ قبل الحرب بشهر
ونقلت القناة أيضًا عن مصادر عسكرية إسرائيلية، أنه في 12 سبتمبر 2023، وصل رئيس الأركان الإسرائيلي هارتسي هاليفي، إلى حدود قطاع غزة في جولة في فرقة غزة، وقدم له قادة الفرقة صورة مزعجة عن الوضع تكشف عن فوضى متزايدة على طول السياج، ووجود شاحنات مشبوهة تقترب من الحدود، وتدريبات متزايدة لعناصر حركة حماس، وأن تلك التقييمات بلغت ذروتها بإبلاغ قائد الفرقة العميد آفي روزنفيلد عن قلقه بشأن الوضع.
ليكون رد رئيس الأركان الإسرائيلي في نهاية الزيارة، أن حماس تم ردعها مسبقًا، لكنها ( أي حماس) لم تتوقف نهائيًا عن التدريب والاستعداد، مطالبًا رئيس فرقة غزة بالاستعداد لحدث مفاجئ من داخل القطاع، الكلمات التي تبدو في وقت لاحق وكأنها نبوءة مأساوية.
وقبل 10 أيام من طوفان الأقصى، عُقد اجتماع حاسم بين قيادة الجيش الإسرائيلي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لبحث الاحتجاجات المتزايدة على طول السياج مع قطاع غزة، إلا أن المفاجئ حسب القناة الإسرائيلية أن تقييم الوضع الذي تم عرضه في هذا الاجتماع سوف يتبين أنه خاطئ، بعدما أشارت التقديرات الاستخبارية المعروضة في الاجتماع أن الافتراض هو أن حماس تعتقد أن إسرائيل هي التي ستهاجم، وبالتالي قد تقوم بإجراء وقائي ولن تهاجم.
وأنه على الرغم من المؤشرات المثيرة للقلق التي عرضت، فقد تم اتخاذ قرار مفاجئ في جناح العمليات في الجيش الإسرائيلي، ليس فقط عدم إضافة قوات لتعزيز القطاع، ولكن بتخفيض القوات الإسرائيلية التي كانت موجودة بطول السياج الإسرائيلي مع القطاع، إذ كان من المفترض أن تتمركز كتائب مشاة وكتيبة مدرعة بقوة 1500 جندي، إلا أنه تم تسريح أكثر من نصفهم وإعادتهم إلى بيوتهم قبل طوفان الأقصى، وأن تحقيقًا سريًا جرى داخل الفرقة كشف عن وجود 600 جندي فقط وجدوا في صباح يوم 7 أكتوبر على الحدود.
وهو ما تفاعل معه قائد القوات البرية الإسرائيلية السابق اللواء جي تسور، في تعليق له بموقع إسرائيل هيوم، بقوله إنه لا يمكن لهذا الرقم من الجنود أن يسيطر على الحدود مع غزة في الأيام العادية، فيما أضاف القائد السابق لشعبة العمليات بجيش الاحتلال الجنرال يسرائيل زيف، أنه من الممكن أنه لو كانت هناك كتيبتان أو ثلاث كتائب أخرى، لكانت قد أحبطت هجوم طوفان الأقصى.
50 مكالمة للتحذير دون جدوى
تحقيقات طوفان الأقصى في الداخل الإسرائيلي أثارت العديد من الأسئلة طوال العام الماضي بشأن الساعات الأولى من طوفان الأقصى، وهو ما كشفته القناة الإسرائيلية ذاتها ( القناة 12 العبرية) مبينة أنه في تمام الساعة الثانية والنصف من فجر 7 أكتوبر، وصل اتصال هاتفي إلى منزل الرئيس الثاني لشعبة العمليات العميد شلومي بيندر، وأنه عقب هذا الاتصال أجرى نحو 50 مكالمة هاتفية، إلا أن قائد الجيش قرر عدم الخروج فورا ولم يصل إلى مركز القيادة العليا، إلا بعد الساعة 9:00 صباحا بقليل، أي بعد أكثر من ساعتين ونصف من دخول حماس للمستوطنات الجنوبية.
وكشفت أيضًا، أنه في الساعة 2.50 صباحًا يوم السابع من أكتوبر أيضًا، وصل اتصال هاتفي أيضًا إلى منزل الرئيس الأول لشعبة العمليات اللواء عوديد باسيوك، والذي توصل بتمام الساعة 4:30 فجرًا أن التقييم جاء كخطأ في التقدير، وأن ما يجري هو انتشار دفاعي من قبل حماس وليس كجزء من خطة هجوم.
وأن تقييمًا جرى بين الرئيس الأول لشعبة العمليات باسيوك، ونائب رئيس الشاباك، وإيمان كبار، رئيس قسم الأبحاث في الجيش الإسرائيلي، إلا أنهم جميهًا توصلوا إلى ذات التقييم السابق بأنه لا خطورة على إسرائيل، والأمر لا يستدعي تغييرا في الاستعدادات، كما لم يرسل رئيس العمليات الإسرائيلية أي إخطارات إلى السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، اللواء آفي جيل والسكرتير العسكري لوزير الدفاع العميد جي ماكرينزو.
وثيقة تكشف تفاصيل ما جرى يوم السابع من أكتوبر
التحقيق الإسرائيلي كشف لأول مرة عن وثيقة ذات أهمية توثق المشاورات الليلية التي جرت في الساعات الأولى من يوم 7 أكتوبر، تبرز أن الرئيس الأول للعمليات الإسرائيلي، حرص على تأكيد الحفاظ على مصادر الاستخبارات، حتى على حساب الاستعداد المناسب لمواجهة أي تهديد محتمل، وأنه من الضروري الوقاية من الخروقات الأمنية والحرص على الاستعداد بأقصى قدر ممكن من أجل حماية المصادر الحساسة.
وأضافت الوثيقة المشار إليها أنه على الرغم من علامات النشاط غير الطبيعي، فإن الخوف من كشف مصادر استخباراتية لم يؤثر فقط على رئيس العمليات بل على رئيس الأركان والأركان العامة والقيادة والفرقة، مما جعلهم يمتنعون عن اتخاذ إجراءات فعلية، حيث تقرر تقليل حالة التأهب في قاعدة رمات دافيد بشكل غير معلوم.
فوضى وغياب الاستجابة
في الساعة 6:29 صباحًا وفقًا للتقديرات الإسرائيلية، بدأ هجوم حماس وبعد ثلاث دقائق وقع الانفجار الأول في السياج، ليعلن قائد القيادة الجنوبية العميد روزنفيلد نداء: (باريش فلسطين) رمز غارة على الأراضي الإسرائيلية متفق عليه من قبل جيش الاحتلال، ليتم إعلان حالة الطوارئ لكن بعد 21 دقيقة من بدء الهجوم، وإعطاء الأوامر بتخطي القوات من يهودا والسامرة، وإعادة المقاتلين النظاميين من منازلهم.
كما أنه بعد ساعة ونصف من بدء الهجوم، في الساعة 7:58، أعلن رئيس العمليات بدء تجنيد 100 ألف جندي احتياط، وبعد ساعة ونصف وبعد تقييم آخر للوضع في مركز القيادة، هذه المرة بمشاركة رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع جالانت، تقرر تجنيد إضافي قدره 200 ألف جندي احتياط.
في ذات السياق، حاول جناح العمليات بجيش الاحتلال الإسرائيلي إرسال قوات كبيرة من الجيش إلى الجنوب، لكن بسبب الفوضى والارتباك، لم يكن من الواضح أين سترسل هذه القوات بالضبط، إذ نقلت القناة الإسرائيلية عن الضباط الذين كانوا حاضرين في حفرة القيادة، أن ما جرى كان فوضى عارمة، عندما لم يتمكنوا لساعات عديدة من تقديم صورة واضحة عما كان يحدث في الميدان، وأن قائد الفرقة وأغلب مقاتليه يقاتلون من أجل حياتهم في البؤر الاستيطانية، فيما سقط قائد لواء الجنوب عساف حمي، وانهارت فرقة غزة أمام حماس.
وأردفت الوثيقة التي كشفت عنها القناة الـ 12، أن بعض القوات الإسرائيلية تم إرسالها إلى أماكن خاطئة بدلا من إرسالها لمواجهة حماس عند السياج الفاصل، وتم إرسالهم إلى نقطة يكون فيها التهديد أقل بكثير، في حين أن نقاط أخرى كان التهديد بها كبيرًا جدًا، لدرجة أن من كانوا في تلك النقاط لم يتمكنوا حتى من الإبلاغ، وبالتالي لم تصل أي قوات إليهم.
وتبين أن قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي والقيادة الجنوبية كانا يحصلان على التطورات من شاشة التلفزيون، وأن الموجهات المباشرة بين حماس وقوات الجيش الإسرائيلي العنيفة لم تبدأ إلا بعد خمس ساعات من دخول حماس إلى إسرائيل، وأنه تم توجيه مدرسة المظليين من قبل القيادة الجنوبية إلى سديروت.
وحسب يديعوت أحرنوت، حلل اللواء المتقاعد يائير جولان يوم السابع من أكتوبر بأن أحد أكثر نجاحات حماس إثارة للإعجاب هو تفكيك نظام القيادة والسيطرة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وإصابته بالشلل التام، وإدخال مقر القيادة الجنوبية وهيئة الأركان العامة في ظلام عملياتي.