7 أكتوبر.. لماذا تأخر النصر؟
عام مضى على أكبر صفعة دوت بها المقاومة الفلسطينية على وجه إسرائيل، أفقدتها خلاله 885 مدنيا باستثناء العسكريين، متمثلة في (578 رجلا، و300 امرأة، و53 طفلا ومراهقا تحت الـ18 عاما، إضافة إلى 72 أجنبيا)، ومنذ بداية الحرب، أصيب أكثر من 70 ألف إسرائيلي، بينهم 12 تعرضوا لبتر أطرافهم، كما أُصيب 647 أجنبيا في هجوم حماس، بالإضافة إلى مقتل وإصابة أكثر من 10 آلاف جندي إسرائيلي منذ 7 أكتوبر، و7000 إصابة عقلية ونفسية بين الجيش الإسرائيلي، حسب الإحصائيات الرسمية.
المشاهد الأولى في يوم 7 أكتوبر من العام الماضي كانت مبهجة وأثلجت صدر كل عربي، مقاومون أشداء البأس بأدوات قتال بسيطة ولأول مرة يستخدمون "الدرونز" في القفز على ثكنة عسكرية للعدو الإسرائيلي، ويمطرونه بوابل من الرصاص والقذائف والصواريخ، ويأسرون قادة وضباطا وجنودا بل ومدنيين على «موتوسيكلات» يقدر عددهم بنحو 251 أسيرا، بل ويدمرون ويخطفون دبابات وأسلحة للمحتل الغاشم، يجوبون بها قطاع غزة، فرحا بهذا الانتصار على العدو الذي فشلت استخباراته في الكشف عنه أو إفشاله.
أعقبت ذلك محاولات من عدة أطراف للضغط على المقاومة الفلسطينية حتى تفرج عن المحتجزين الإسرائيليين مقابل الإفراج عن بعض الفلسطينيين الذين يذوقون جميع أنواع التعذيب والتنكيل في سجون الاحتلال، وتفرج حماس عن 116 إسرائيليا وتحتفظ بـ 81 آخرين مات عدد كبير منهم بسبب الضربات الجوية الإسرائيلية، وفي المقابل أفرجت قوات الاحتلال الإسرائيلي عن 150 أسيرا من سكان قطاع غزة، في صفقة استفاد منها الطرفان، ومشهد هز العالم بأكمله -حينها- وتسبب في سخط الشارع الإسرائيلي على نتنياهو وحكومته الفاشلة التي لم تستطع أن تحمي جنودها ورعاياها، وأيضا في الضغط عليه لتحرير بقية المحتجزين الذي فشل في تحريرهم حتى الآن.
على مدار هذا العام رأينا حربًا غير متكافئة، حصدت أرواح الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، لكنها على الجانب الآخر أفقدت العدو الإسرائيلي هيبته وألجأته إلى الاختباء كالفئران في الملاجئ قادة وضباطا وجنودا ومدنيين، الأفراح تقام تحت الأرض خوفا من ضربات المقاومة، الحوامل يلدن في جراجات تحت الأرض، نتنياهو نفسه وقادة جيشه بمجرد سماع صافرات الإنذار يهرولون كالجرذان للاختباء في الجحور، رأينا أيضا عمليات طعن وقتل ودهس للمستوطنين الإسرائيليين على يد أبناء الشعب الفلسطيني المتشبث بأرضه رغم القتل والدمار والتخريب، فضلا عن المعارك والبطولات الكبرى التي قادها الأبطال وجها لوجه أمام العدو الإسرائيلي أفقدته عدته وعتاده، ولقنته درسا قاسيا في الرجولة والشجاعة.
على الجانب الآخر، شهدنا أكبر حملة إبادة تعرض لها الشعب الفلسطيني، ارتقى خلالها أكثر من 42 ألف شهيد بينهم 175 صحفيا وناقلا لجرائم الاحتلال، وأصيب نحو 100 ألف غالبيتهم من النساء والأطفال، وأكثر من 902 عائلة فلسطينية في قطاع غزة، أبيدت بقتل كامل أفرادها ومحيت أسماؤها تماما من السجلات، فضلا عن حصار بشع للمدنيين يحول بينهم وبين أبسط حقوقهم الإنسانية من الطعام والشراب وحتى العلاج، لكنه لم يفقده يومًا إيمانهم الشديد بالنصر الذي تأخر كثيرا لكنه قادم لا محالة، كما وعد بذلك مالك الملك: "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا"، ورسوله الكريم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر. فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد".
السؤال هنا لماذا تأخر النصر؟.. البداية رغم عشوائيتها بعض الشيء لكنها مبشرة، ولا شك أنها حققت نتائج ملموسة لا ينكرها أحد، لكن خلال هذه الحرب الضروس فقدت المقاومة الفلسطينية معظم كبار قادتها وعلى رأسهم إسماعيل هنية الذي استشهد في إيران، وسط علامات استفهام كبيرة، واتهامات لبعض أفراد المقاومة بالخيانة والتعاون مع إسرائيل، ما سهل اختراق المقاومة أمنيا وسيبرانيا، والحديث هنا عن الخيانة ليس جديدا فقد تحدث به قائد المقاومة الراحل الشيخ أحمد ياسين وأقر بحدوثه من بعض أفراد الحركة، ومن حماس انتقلت عدوى الخيانة إلى حزب الله اللبناني الذي فقد أكبر قاداته، وعلى رأسهم حسن نصر الله.
فالخيانة هي أحد أهم أسباب تأخر النصر الذي كان وشيكًا لأنها أعظم أنواع الفساد، والمولى -عز وجل- لا يصلح عمل المفسدين، أيضًا حالة الفرقة التي يعيشها العرب والمسلون سبب كبير في تأخر النصر، فرقة في كل شيء، المسلمون منقسمون، سنة وشيعة، سلفيون وصوفيون، فضلا عن حالة التأخر العلمي والاقتصادي الواضحة، فالعرب لا ينتجون، لا يطورون، لا يقرأون، اهتماماتهم أصبحت فارغة جوفاء سطحية، يلهثون وراء ما يسمى بالتريندات، بل يتناحرون ويقتتلون، والسودان واليمن خير مثال على ذلك، وعلى الجانب الآخر الاحتلال وأعوانه متحدون متعاونون.. إذن فمن أين يأتي النصر؟
ما نراه اليوم يا سادة هو مصداق لقول الرسول الكريم: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت».