السموم تحاصر أجسادهم| نقص المستلزمات الطبية يهدد حياة مرضى الفشل الكلوي في غزة.. و275 حالة وفاة
مر عام على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، ولا يزال يواجه محمود عقيل، مريض الفشل الكلوي، حرمانًا من أبسط حقوقه في العلاج والرعاية الصحية، حيث يعيش محمود شبابه في أحد مستشفيات القطاع بجوار ماكينة الغسيل الكلوي، ينتظر بصعوبة جلسته القادمة، التي تقلصت ساعاتها بشكل كبير بسبب نقص المستلزمات الطبية الضرورية.
نقص المستلزمات الطبية والأدوية الحيوية يهدد حياة المرضى
لا يعاني محمود وحده من نقص جلسات الغسيل الكلوي، بل يشاركه في هذه المعاناة الآلاف من مرضى الفشل الكلوي في القطاع، فالمستشفيات في غزة تواجه نقصًا حادًا في المستلزمات الطبية الأساسية مثل الفلاتر المستخدمة لتنقية الدم والأدوية الحيوية التي تساعد في استقرار صحة المرضى بعد الجلسات، وهذا النقص دفع المستشفيات إلى تقليص عدد ساعات الجلسات الأسبوعية، ما أثر بشكل مباشر على صحة المرضى، وأدى إلى مضاعفات خطيرة تهدد حياتهم.
وتروي والدة محمود عقيل في حديثها لـ القاهرة 24، أن المستشفيات اضطرت إلى خفض عدد ساعات جلسات الغسيل الكلوي من 12 ساعة أسبوعيًا إلى نحو 7 ساعات أو أقل بسبب نقص المستلزمات الطبية؛ ونتيجة لذلك، حُرم محمود من شرب القدر اليومي الطبيعي من المياه خوفًا من احتباسها في الجسم، كما مُنع من تناول بعض الأطعمة لتجنب الحاجة إلى جلسات إضافية.
نقص الأدوية الحيوية يعتبر أزمة أخرى تزيد من معاناة مرضى الفشل الكلوي، حيث يعاني محمود أيضًا من ارتفاع ضغط الدم، ويواجه صعوبة في الحصول على الدواء بشكل منتظم؛ حيث تضطر المستشفى في بعض الأحيان إلى إعطائه نصف قرص يوميًا أو حرمانه منه في أيام أخرى بسبب نقص الأدوية.
وأوضحت والدة محمود أن نقص الأدوية، جنبًا إلى جنب مع تقليل عدد جلسات الغسيل الكلوي، تسبب في انخفاض نسبة الهيموجلوبين لدى نجلها إلى 4، وهو مستوى خطير يستدعي نقل الدم بشكل متكرر.
ضغط متزايد لمرضى الفشل الكلوي على المستشفيات بسبب نقص المستلزمات
قبل العدوان، كان هناك نحو 1200 مريض فشل كلوي في غزة يعتمدون على جلسات الغسيل الكلوي، وبسبب العدوان الإسرائيلي على القطاع، خرجت العديد من المستشفيات عن الخدمة، مثل مستشفيات الشفاء والرنتيسي ونورة الكعبي، مما زاد الضغط على المستشفيات المتبقية، وفقًا لقول الدكتور يوسف أبو الريش، وكيل وزارة الصحة في غزة.
وأضاف أبو الريش لـ القاهرة 24، أن المستشفيات الباقية تعاني من ضغط كبير بسبب نقص المستلزمات الطبية والأدوية، ما أدى إلى تقليل ساعات جلسة الغسيل الكلوي من 4 ساعات إلى نحو ساعة ونصف بحد أقصى، مشيرًا إلى أن المرضى في غزة يتلقون فقط 25% من المدة المطلوبة لجلسات الغسيل الكلوي أسبوعيًا، وهذا النقص الحاد في الرعاية يعني أن جسم المرضى لا يتخلص من السموم بشكل كافٍ، ما يتركهم في حالة متواصلة من الألم والمعاناة.
275 مريضًا في عداد الموتى ونقص شديد في وحدات الغسيل الكلوي
من جانبه، أكد الدكتور أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أن عدد وحدات الغسيل الكلوي المتبقية في القطاع بلغت 63 وحدة فقط، ما يمثل انخفاضًا بنسبة 65% مقارنة بالوضع قبل الحرب، وهذا النقص بسبب في خفض عدد المرضى الذين يتلقون جلسات الغسيل بانتظام إلى 32.7%، حيث تراجع العدد إلى 769 مريضًا فقط، في حين أن 275 مريضًا لم يتمكنوا من الحصول على جلساتهم بانتظام، ويُعدون الآن في عداد الموتى.
وأشار الدكتور أشرف القدرة، لـ القاهرة 24، إلى أن التكلفة المالية لنقل المريض إلى مراكز الغسيل الكلوي على نفقته الخاصة تصل إلى أكثر من 500 دولار شهريًا، ما يمثل عبئًا ماليًا كبيرًا على المرضى وعائلاتهم في ظل الحرب المستمرة.
انهيار القطاع الصحي واستشهاد الكوادر الطبية
إلى جانب النقص الحاد في المستلزمات الطبية، يعاني قطاع الصحة في غزة من انهيار شبه كامل بسبب الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الصحية، فوفقًا لتقرير وزارة الصحة الفلسطينية، خرج 22 مستشفى عن الخدمة، فيما يقدم 15 مستشفى فقط خدماته بشكل جزئي، وهذه المستشفيات تعاني من نقص الوقود والمستلزمات الطبية، وتواجه صعوبة في الاستمرار بتقديم الرعاية الصحية الضرورية، إضافة إلى ذلك، فقد قطاع الصحة 986 شهيدًا من الكوادر الطبية، من بينهم 146 طبيبًا، ما شكل ضغطًا إضافيًا على النظام الصحي المتبقي الذي يكافح للاستمرار في تقديم خدماته الإنسانية.
وفي ظل هذه الظروف الكارثية، يصبح نقص المستلزمات الطبية أحد أكبر التحديات التي تهدد حياة المرضى في غزة، والمرضى يعانون من تدهور صحي مستمر بسبب نقص الفلاتر والأدوية الحيوية، ويجدون أنفسهم محاصرين بين الانهيار الصحي والعبء المالي المتزايد، والدعم الدولي العاجل لتوفير تلك المستلزمات أصبح أمرًا لا غنى عنه لضمان استمرار حياة هؤلاء المرضى ومنع تفاقم الأزمة الإنسانية.