هل ما زلنا عالما عربيا؟
كل الشعوب العربية نشأت على فكرة أن هناك كيان عظيم يسمى "العالم العربي"، خاصة من لا تقل أعمارهم عن 30 عاما، وذلك لأننا منذ تلك الفترة بدأنا نرى تراجعا كبيرا في وجود هذا المفهوم، الذي تم ترسيخه بأذهاننا منذ المرحلة الابتدائية، التي درسنا فيها خريطة هذا العالم العربي، الذي يمتد من المحيط إلى الخليج، وعرفنا أننا جميعا أشقاء ومصابنا واحد وتكاتفنا واجب، وطالما استمعنا إلى الأغاني الوطنية التي كانت تؤكد على وحدة العرب، حتى وإن كانت بينهم خطوط الحدود التي رسمها الاستعمار، بغرض جعلها بداية لتمزيق ذلك الجسد ليتفرق ومن ثم يتم إضعافه وسهولة افتراس كل جزء منه على حده.
أذكر أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما كان في زيارة إلى مصر، وألقى خطابه الشهير بجامعة القاهرة عام 2009 استخدم فيه مصطلح الوطن العربي، وذلك جعله ينتقد بشدة في إسرائيل، حيث استنكروا ذلك وقالوا أين هذا العالم العربي الذي يتحدث عنه الرئيس الأمريكي، وكان ذلك أيضا رأي اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا يدل على أن كل ما وصلنا إليه من انهيار وتراجع كان مدبرا ومتعمدا، ونحن غير مدركين وسط روح الأنانية والذاتية التي شاعت بيننا، فذهب من هم منا إلى عدونا وألقوا بأنفسهم في أحضانه بعدما أوهمهم أنهم سينعمون بحمايته، وبدأنا نعيش حالة أشبه بما قرأناه عن تاريخ الأندلس قبل إنهاء وجود العرب والمسلمين هناك، بعدما تشتتوا وملأهم الطمع فأصبحوا يتآمرون على بعضهم البعض مع عدوهم الذي تخلص منهم جميعا في الوقت المناسب.
إنه التاريخ الذي يعيد نفسه الآن، ويؤكد ذلك ما نجده من لامبالاة غير مسبوقة تجاه أهم قضايا العالم العربي حيث احتلال جزء منه على يد كيان صهيوني يمارس أبشع الجرائم لأكثر من سبعين عاما دون رادع، وأصبحت المواجهة فقط تنحصر في الدول المحيطة بالأرض الفلسطينية المحتلة، دون سند فعلي من باقي بلدان العرب الذين يظنون أنهم بعيدون عن ما يحدث، وتلك حسبة خاطئة تماما لا شك أنهم سيدفعون ثمنا باهظا لها، لأننا أمام عدو لا عهد له والتاريخ يشهد.
ومن المؤسف أيضا أننا أصبحنا نسمع أصواتا بيننا لو أن أحدا قرأ كلماتها دون معرفة قائلها، لظن أنه إسرائيليا يعبر عن وجهة نظر دولته، وليس عربيا يعيش على أرضنا وتلك ظاهرة غريبة لم يكن يجرؤ على فعلها علنا كائنا من كان، عندما كان مفهوم الأمة حاضرا في أذهاننا.. فلم تعد العمالة سرية بل أصبحت تمارس عبر الشاشات.
فهل بعد كل ذلك مازلنا بالفعل نعيش في وطن عربي كبير أم أن عدونا نجح تماما في هدم ذلك المفهوم وعلينا إعادة بنائه بأقصى سرعة قبل فوات الأوان، وانتقال ذلك العدو من فريسة إلى أخرى كما يسعى ويخطط؟