لحظة اكتشاف الحقيقة
هنا لا أتحدث عن حسن نصر الله، أو زعيم حماس يحيى السنوار الذي استشهد مقاتلا شجاعا، أو غزة التي تحولت لأطلال ويشهد شمالها إبادة كاملة وجنوبها حصارا غير مسبوق، أو لبنان الذي يواجه نفس مصير غزة، ولا حتى حوثي اليمن، أو حتى المختل نتنياهو، لكن أتساءل لماذا فقد الدم العربي قيمته، هذا الدم الذي يسيل كل لحظة دون "ذنب" في لبنان وغزة والضفة الغربية واليمن بقذائف الاحتلال أمريكية وغربية الصنع.
أتذكّر عند رؤية مشاهد أشلاء أطفال غزة ولبنان وغيرهم كلمات الشاعر جبران خليل جبران "ومرت لحظة مات فيها كل شيء فلم يعد لأمر قيمة ولا معنى"، لكن سرعان ما يلمس الأمل قلبي وأتذكر كلماته "لا تتوقف الحياة بسبب بعض خيبات الأمل".
خلال العدوان على غزة الذي اقترب من العام، فقد آلاف الأطفال أرواحهم بطريقة صعبة الوصف لا يتحمل جمهور "السوشيال ميديا" النظر إليها، استغرابي هنا أن هذه الدماء لم تحرك ساكنا في المجتمع الدولي، الذي غض الطرف واستمر في الحديث عن "أسرى 7 أكتوبر والإفراج عنهم"، رغم استشهاد عشرات أضعافهم حتى الآن من الأطفال والنساء والشيوخ بخلاف مئات أضعافهم من الجرحى المصابين، وملايين غيرهم في حالة فقر وجوع ومرض في سجن كبير يُدعى غزة".
ليس هذا فقط، لكن أتذكر جيدًا رد الفعل العالمي على مقتل أطفال مجدل شمس "المرفوض قطعا" بصاروخ مجهول زعم الاحتلال أنه لأحد أطراف المقاومة، إدانات وترهيب ووعيد وإعطاء حق مطلق للاحتلال للانتقام والإبادة بعد هذه الواقعة، وبالمناسبة هذه القرية تقع في الجولان السورية المحتلة، ما أشعرني أن دماء أطفال غزة ولبنان والعرب "رخيص" وليست ذا قيمة.
تحدثت في لقاءات صحفية مع مسؤولي المنظمات الأممية كاليونيسيف والهلال الأحمر والصليب الأحمر والأونروا، وسمعت آهاتهم من جرائم الاحتلال في حق الأطفال والمدنيين، لكن هذه الآهات يتم تجاهلها رغم أنها صادرة من جهات أممية تتبع الأمم المتحدة "التي تعيش في نوم عميق"، يقول لي مسؤول باليونيسيف إن 14 طفلًا يوميًا استشهدوا في لبنان خلال الأيام الستة الماضية فقط، وكأن هؤلاء الأطفال ليس لديهم حق الحياة، ولبنان ليس بدلا عربيا له سيادته.
والصدمة التي يتجاهلها كثيرون هو استشهاد أكثر من 15 ألف طفل في غزة، خلال عام واحد من العدوان، 15 ألف طفل كانت لديهم أحلام بالحياة وكانوا أمل أهلهم في الحياة أيضا.
كل هذه الشواهد وغيرها تشعرني دائما بأن الدم العربي أصبح أقل درجات عن "الغرب والاحتلال"، وأننا اعتدنا كشعوب أن نسمع مثل هذه الأخبار ولم تعد تحرك فينا ساكنا، فتكرار المشاهد والأخبار تُحدث فينا نوعا ربما من "بلادة المشاعر".
"ضل طريقة لتجنب خيبات الأمل هي ألا تتوقع شيئًا من أي أحد"، قالها جبران قبل عقود، ويعيشها الآن أهلنا في غزة ولبنان وسوريا وغيرها من الشعوب التي ترغب فقط في "السلام".