ترجع للقرن السادس الميلادي.. حكاية فسيفساء التجلي بدير سانت كاترين
تتميز مدينة سانت كاترين بمحافظة جنوب سيناء بوجود العديد من الآثار التاريخية النادرة في العالم، ومنها الفسيفساء التي تزين دير سانت كاترين، وتعتبر من أشهر الفسيفساء الموجودة بالعالم.
وقال حسام صبحي محمود مدير آثار سانت كاترين لـ القاهرة 24، إن فسيفساء التجلي الموجودة بدير سانت كاترين تعتبر من أشهر الفسيفساء الموجودة بالعالم في الفن البيزنطي، حيث تزين قبو وعقد الهيكل، وهي ترجع إلى ما بعد إنشاء الدير بفترة بسيطة، والمناظر التي عليها تمثل بعض مواضيع من كتاب العهد القديم والعهد الجديد، حيث يمثل منظر سيدنا موسى، وهو يتسلم الألواح، ومنظر آخر وهو يخلع نعليه أمام العليقة المشتعلة، ومنظر الملائكة والعذراء ويوحنا المعمدان، وذلك في العقد الخارجي، أما الحنية ذاتها فيشغلها موضوع تجلي السيد المسيح على تلاميذه يوحنا وبطرس ويقوب، وفي باطن العقد رسم الاثنا عشر رسولًا، وفي أسفل الحنية رسم سبعة عشر نبيًا من أنبياء العهد القديم، ورئيس الدير والشماس.
زخارف الفسيفساء تعود للقرن السادس الميلادي
وأكد مدير آثار سانت كاترين، أن الوصف الدقيق لهذه الفسيفساء من خلال تقرير عن أعمال ترميم البعثة الإيطالية بدير سانت كاترين لفسيفساء التجلي وصفوها بأن الكنيسة ما زالت تحتفظ بالجزء الأكبر من الزخارف الأصلية التي تعود إلى القرن السادس الميلادي، وبالأخص الفسيفساء التي تغطى قوس الهيكل، يعد هذا العمل من أروع ما أنتجه الفن البيزنطي، ومن المحتمل أن يكون إنجازها قد تواكب مع إنجاز فسيفساء أخرى من كنيسة كانت متواجدة على قمة الجبل ولكنها اندثرت.
وأضاف صبحي، أنه تم استخدام أكثر من نصف مليون قطعة موزاييك، لتغطية الستة وأربعين مترًا مربعًا من سطح الجدار، أي بواقع 11.700 قطعة من كل متر مربع، وأن أغلبية القطع مصنوعة من العجين الزجاجي، وتم تقطيعها على شكل مكعبات قياس أضلاعها سنتيمتر واحد، واستخدمت الأحجار الطبيعية بلون البشرة فقط معطية تدرجات لونية رقيقة من الوردي الفاتح، إلى الوردي الصارخ والبرتقالي.
وأوضح: تعتبر قطع الفسيفساء أثمن من القطع الحجرية لأنها مصنوعة يدويًا، كما أن قطع الفسيفساء اللامعة تمتاز بخفة وزنها، وهي ملائمة لتغطية الأقباء لأنها لا تثقل البناء، ويغطي الجزء العلوي من نصف قبة الشرقية فيسفساء، وتمتد إلى الجزء العلوي من الجدار الشرقي تصور تجلي السيد المسيح المخصصة له كنيسة التجلي، وتعد من أقدم وأجمل فسيفساء في الشرق، نظرًا لتناولها موضوعات تاريخية من خلال غرس الفصوص في منظر بديع ومنسق على أرضية من الذهب المعتم، وهي مصنوعة من قطع صغيرة متعددة الألوان يسودها اللونان الأحمر والأزرق، وتعود لتاريخ إنشاء الدير وهي من عمل فنان من مركز حضاري ربما يكون القسطنطينية، ونعود إلى استخدام الفيسفاء كوسيلة إعلامية، حيث حلت الموضوعات الدينية المستمدة من الكتب المقدسة محل الموضوعات الدنيوية التي كانت مستخدمة من قبل القصور وذلك لتمجيد الحكام وتسجيل هواياتهم المفضلة.
وأوضح أن العصر البيزنطي كان يمتاز بخلفية التصميمات وكان يزخرف الفسيفساء بالذهب، وأغلب فسيفساء الأرضيات والجدران توضع مكعباتها أفقية في حين أن مكعبات القباب يظهر بها نوع من البروز، واختلفت الفسيفساء التي تغطي الأرضيات عن فسيفساء الجدران في الخامة وفي الموضوع فكان يظهر بها موضوعات أسطورية وزخارف هندسية، كما لم يستخدم فيها الزجاج وللأسف دمر كثير من فسيفساء القرن السادس التي وجدت بالقسطنطينية، وذلك في فترة تحريم استخدام الصور كوسيلة في الإرشاد الديني، ومن أهم نماذج الفسيفساء التي وجدت في الكنائس الشرقية كنيسة القديس ديمتري بسالونيكا، ودير سانت كاترين، وفي كنائس الغرب كنيسة سان أبولينار نوفو، وسان فيتال في رافينا.
وأردف مدير آثار سانت كاترين: فسيفساء التجلي عبارة عن حنية نصف دائرية، يبلغ اتساعها حوالي 5 م وعمقها حوالي 3.2م، وتمثل الفسيفساء منظر السيد المسيح بالوسط صاعدًا إلى السماء، ويكاد يشغل جميع الحنية، والمنظر الرئيسي في هذه الحنية هو تجلي السيد المسيح على التلاميذ، وتبدأ الفسيفساء من أسفل وأعلى الألواح الرخامية بشريط من الزخارف الهندسية باللون الأزرق والأحمر والأبيض، وتمثل شرافات مسننة معدولة ومقلوبة، ويبلغ عرض هذا الشريط حوالي 5 سم ويتألف من خمسة صفوف من قطع من الفسيفساء، ويعلو هذا الشريط شريط آخر يبلغ عرضه 56 سم من اللون الأسود أو الأزرق الداكن ويزين هذا الشريط تسع عشرة جامة دائرية محاطة بإطار أبيض، وبداخل هذه الجامات تم تصوير أنبياء العهد القديم بالإضافة إلى رئيس الدير والشماس وجميع الجامات ذات أرضية مذهبة.
واستكمل: وتم رسم جميع الأشخاص في أوضاع نصفية وبطريقة المواجهة، ويفصل بين كل جامة والتي تليها من أعلى وأسفل وردة كأسية من ثلاث بتلات بدرجتين مختلفتين من اللون الأخضر، ويبلغ قطر كل جامة حوالي 43 سم، وقد كتب بجوار كل شخص اسمه باليونانية القديمة، وتبدأ هذه الجامات من الناحية اليمنى بصورة لونجنيوس، وهو رئيس الدير في ذلك الوقت والذي تم في عهده صنع هذه الفسيفساء، وقد مُثل في وضع المواجهة مرتديا عباءة باللون البني وعليها رسم صليب على الكتفين وحول رأسه هالة بيضاء مربعة تشير إلى أنه لم يكن متوفيًا أثناء صناعة الفسيفساء، وقد مُثِل بلحية طويلة وكتب اسمه على جانبي الرأس باليونانية.