حكايات أمريكية - عصابة العاصفة
شعور ينتابني بالحيرة وأسئلة كثيرة تتزاحم في رأسي، فما الذي يجعل فتاة من عائلة فاحشة الثراء، وولدت وفي فمها ملعقة من ذهب، تتهور بتفكيرها إلى العنف وأن تكون أخطر إرهابية في العالم؟
فتلك قصة حقيقية لديانا أتون الفتاة الأمريكية التي كانت نهايتها في شقة صغيرة لصنع القنابل المتفجرة لاستهداف مراكز الشرطة وكل المؤسسات الأمريكية.
وبرغم أن ديانا ولدت مليونيرة ولكنها تمردت على المجتمع الذى تعيشه، ومع توافر كل مقومات الحياة الفارهة لها ولأسرتها عريقة الثراء، والتي تمتلك أكثر من 600 فدان غير بنك فى نيويورك ومطعم في قرية اتون بل ويملكون القرية بكل ما فيها.
وإن علامات التغيير ظهرت على شخصيتها وهي في سن صغيرة جدا، عندما شاهدت أطفال الزبالين يتناولون طعامهم من الزبالة سألت نفسها لماذا نحن أغنياء وهم فقراء؟، واستمرت الهواجس تراودها خلال دراستها في المدرسة الثانوية، عندما قررت المدرسة فصل زميلتها لأنها لم تدفع الرسوم، ذهبت إلى أبيها وهي تجهش بالبكاء اعتراضًا على ما فعلته إدارة المدرسة، فكان من أبيها أن دفع قيمة الرسوم لصديقتها، وكررت السؤال على والدها.. لماذا يوجد فقراء في هذا العالم؟
وعندما بلغت الرابعة عشر من عمرها ذهبت إلى مدرسة ماديرا بولاية فريجينيا ويذهب إلى تلك المدرسة أولاد الطبقة الأرستقراطية، ولم تنس في تلك الأثناء آلام المعذبين من الفقراء وانطوت في عزلتها داخل المدرسة حتى ذهبت الى جامعة برين ماور.
ولم تكف عن نقاشاتها وأسئلتها المتواصلة مع من حولها حتى تمتعت بشعبية هائلة بين أقرانها.
وعندما بلغت 18 عامًا ذهبت إلى ميونخ في ألمانيا للدراسة، وتعلمت الألمانية بسرعة، وتعمقت في مناقشة المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها العالم، وبدأت تفهم دور أمريكا الوصية على العالم، وتدخلاتها في كل شئون بلاد الأرض تبعا لمصالحها حتى آمنت بأن أمريكا دولة نازية ويجب أن تتحرر أمريكا من كل تلك الفتن التي ستقضي عليها.
حتى كان عام 1962 حرب فيتنام وقمة الغليان في أمريكا فقطعت دراستها في ألمانيا، وعادت إلى وطنها واتصلت لمقابلة جون كيندي تطلب لقاءه، فكان من مكتبه أن اتصل بها ليخبرها أن تكتب ما تشاء قوله للرئيس، وسيرد عليها وأنه سيعيد أمريكا إلى مكانتها، فرحت بذلك لكن رصاصة الغدر قتلت كيندى نوفمبر 1963، فبدأ الشباب يتذمر وبدأ في تكوين حركات شبابية سلمية مثل البيستنيك والبيتلز والهيبز وغيرها.
ولكنها لفظتها وانضمت إلى حركة الكويكرز أملا منها في قيام الثورة، وانضمت إلى برنامج فولبرايت وهو برنامج تجريبي لمحو امية الكبار، وسافرت إلى جواتيمالا وتركت حياة الرغد وتقشفت ولم تعد تعتمد على ثروة أبيها، وعانت من قسوة الحياة وتقشفها.
لكنها مؤمنة بما تفعل وكانت تدخر نصف راتبها لمساعدة الهنود الذين يعيشون في أكواخ ليست آدمية ولا تتوافر حتى مقومات الحياة البسيطة لهم، ومضت سنتان على كفاحها لتعليم هؤلاء الفقراء ومساعدتهم في سكن بديل حتى توقفت المعونة التي تقدم لبرنامجها وكل يوم يمر يزداد سخطها على الأغنياء، رغم حبها الشديد وارتباطها العميق بعائلتها.
لكنها كانت تريد من أمريكا أن تمحو الفقر من العالم، وأن تتوقف الحروب وتنهي حرب فيتنام، وأن تتخلى الولايات المتحدة عن أطماعها في بلاد غير بلادها.
فهي لم تستطع أن تنسى كثرة التوابيت الصغيرة لدى الهنود، وعندما سألت القس فقال لها، إنهم يدفعون الهنود إلى قتل أبنائهم مقابل دولار أو اثنين وعندما غضبت من كلام القس فقال لها يجب أن لا تثنيهم عن ذلك فهم لو كثر عددهم سيقتلوننا نحن.
ورغم أنها تدافع عن الفقر وتحارب الأمية والتخلف في بلاد غير بلادها ولكنها الإنسإنية تدفعها إلى التغيير ولكن الإحباط سيطر عليها فأعداد السكان كبير وهي لن تستطيع فعل المستحيل وحدها، ففقدت بريقها وأصبحت ملابسها رثة وكأن القانون هناك لا يسمح بخروج السيدات ليلا إلا التي تحمل تصريح بغاء، ولكن في ذات مساء هوجمت من ذئب بشري وقاومت وعرفت بعد ذلك أنه من المخابرات الأمريكية التي ترفض عملها هناك ويريدون عودتها إلى أمريكا.
وكانت صدمتها الكبيرة عندما علمت أن كل البرامج التي تعمل فيها ممولة من المخابرات الأمريكية، وتوقف مساعدتها لها وقتما تريد وأن هذه البرامج هي المسئولة عن الإطاحة بالحكم اليساري في جواتيمالا.
فأصبحت محاصرة وكل العيون الأمريكية أينما ذهبت تراقبها، ورسمت صورة في ذهنها وتخيلت إن يد أمريكا في كل شيء وتبرر كل شيء وتفعل أي شيء فقط لما فيه مصلحتها، ما جعلها إن تصبح حانقة على وطنها وسياساته، وكانت إلى تلك اللحظة تكرة العنف وتحاول التغيير السلمى لهذا المجتمع التي كانت تصفه بالمتعفن.
وفي عام 66 سافرت إلى آربو حيث التحقت بمدرسة الخريجين في جامعة ميتشجإن للحصول على الماجستير ولكنها ما زالت متمسكة بمبادئها وعاشت حياة الفقر وشظف العيش وعملت في بوفيه الجامعة لتساعد نفسها، ولم تعتمد على أموال أبيها، وفي تلك الأثناء تعرفت على بيل والذى اندمج معها في علاقة عاطفية وخصوصا أنه يحمل نفس شخصيتها، فوالده من الأثرياء ولكنه اعتزله مثلما فعلت مع أهلها.
وكان نقطة تحولها عندما قرأت عن حادثة الرجل الذى ذبح 8 ممرضات، والمجنون في شيكاغو الذى قتل 14 شخصا بالرصاص من المارة في الشارع، وقالت إن المجتمع أصبح أشد قتامة.
ورغم كل القهر التي تعيشه ما زالت ترفض العنف وتخشاه، وكونت مع بيل حضانة لتعليم الصغار من السود والبيض تمولها هيئة المدينة والتي سحبت تمويلها بحجة إن السود يسيطرون على المدرسة ويرهبون الأطفال البيض.
فسافرت إلى شيكاغو مع بيل وأسسا جمعية الطلاب الديمقراطية، وأصبحت مؤمنة بأن تغير المجتمع هو القيام بعمل مباشر بدلا من التثقيف والإصلاح السلمى، وإنه يجب القضاء على عادات الناس الارستقراطية وإن تتخذ الثورة طابع العنف لأحداث التغيير.
فقام افراد الجمعية بقص شعورهم ولبس النظارات وكبر عدد المنضمين واطلقوا على أنفسهم اسم العصابة عصابة جيسى جيمس وكإن مبدأهم هو العنف ويحتقرون كل وسائل السلمية التي لم تأت بثمارها طوال تلك السنوات السابقة.
وأنه يجب محاربة أمريكا نفسها حتى يتم القضاء على تلك الجرثومة، بعد فشل الحكومة في التعليم وسياستها الخاطئة.
وبدأت مع بيل في دراسة تعاليم ماو وبرنامج كاسترو حتى إنهم قابلوا كاسترو نفسة وبدأوا في تكوين الخلايا التي سوف تستهدف بل استهدفت المؤسسات العسكرية والشرطية، وقتل رجالهم واطلق على تنظيمهم اسم رجال العاصفة.
وديانا يصفها والدها بعد ذلك إنها أصيبت بلوثة فكرية ولم يستطع إثنائها عن موقفها أو تعديل فكرتها عن ثورتها التي تجرها إلى الهاوية، وبرغم مطاردات الشرطة التي تحاول أن تثأر لأفرادها أو لسيارتها المحترقة.
فكان أفراد الجماعة ينقسمون إلى فريقين متصارعين، وعندما تصل الشرطة لفض الاشتباك بينهما تتحد المجموعتان ويقتلون رجال الشرطة ويستولون على أسلحتهم بل كانوا يذهبون إلى الأقسام لعمل محاضر كيدية، ويتركون بداخله قنابل تنفجر في القسم، حتى ازدادت الجماعة وحشية وبربرية، وبرغم مطاردات البوليس لها والقبض على غالبية أعضاءها.
أنهكت ديانا وكادت تعود إلى عائلتها بعد السجن والتشريد والهروب من الاعتقال، ولكنها كانت مؤمنة بالثورة وساعدتها صديقتها على العودة مرة أخرى بعد أن أخرجت بيل بكفالة ولكنة سجن 5 سنوات، وهي خرجت للاتصال بباقي أفراد العاصفة الذين لم يقبض عليهم وعادوا إلى تصنيع القنابل التي كانت تدوي بأصواتها القوية الانفجار في أقسام الشرطة وثكنات الجيش، وكان أكبرها انفجار أوكلاوهوما الشهير.
حتى كان انفجار بيت ديانا أو مصنع القنابل التي كانت تعيش فيه مع صديقتيها اللتين نجتا من الانفجار وسافرا إلى كوبا ولم يعرف عنهما أحد شيئًا.
في تلك الأحداث نرى كثيرا من المنظمات التي تحاول تغير الوضع بالعنف والقتل برغم إن معظم أعضاء العاصفة كانوا من أولاد الأثرياء والذين قبلوا إن يعيشون حياة قاسية جدا وشبه عسكرية داخل جماعتهم، وينفذون التعليمات بكل صرامة ودقة ضد المجتمع الأمريكي الذي يكرهونه.
إنها قصة غريبة ومليئة بكثير من الأسئلة التي نقف أمامها للتحليل.