عن تقرير فيتش و"الدولار أبو 80"
تزامن التحريك الأخير من قبل وكالة فيتش العالمية لوضع التصنيف الائتماني طويل الأجل لمصر من "B-" إلى B، مع حديث عامي عن أثر ذلك الإيجابي على المواطن بتحسن ظروف معيشته أو السلبي بتمهيده لتعويم عملة قادم قد يرفع سعر الدولار إلى 80 جنيها، وهو الأمر الذي يحمل في شقيه فهمًا خاطئًا لطبيعة التصنيف، وكذا يرتب تساؤلات عند المواطنين عن موعد انعكاس هذا التحسن على معيشتهم.
وبداية.. فالتصنيف الائتماني يُعد تقييمًا تصدره وكالات متخصصة، كـ"فيتش" و"موديز" و"ستاندرد آند بورز"، ليُحدد قدرة الدولة على سداد ديونها، أي مدى أمان إمكانية توفير قروض لها، ويعتمد هذا التقييم على مجموعة من المؤشرات الاقتصادية منها معدلات النمو ومستويات الدين العام، والهيكل المالي للحكومة، وغيرها من المتغيرات التي تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والسياسية، وفي حالة تحسنه، فإنه يظهر كإشارة إيجابية للاستثمار الأجنبي في الأوراق المالية الحكومية.
كما أن انخفاض التصنيف الائتماني الخاص بمصر في سنوات سابقة، كان له علاقة وطيدة بوضع السيولة الدولارية المتدني في الدولة وقتها، وعليه ومع تحسن أزمة السيولة الدولارية من مؤشرات زيادة الاحتياطي الأجنبي إلى 46.5 مليار دولار وأيضا ارتفاع صافي أصول البنوك، قد دفع وكالات التصنيف الائتماني إلى مراجعة هذا الموقف، وهو ما بدا واضحا في تقرير فيتش، التي أرجعت قرارها برفع التصنيف مع النظرة المستقرة إلى عدة عوامل منها أموال صفقة رأس الحكمة، وتحسن موقف السيولة الدولارية.
ورغم أن القرار ومشابهاته المتوقعة خلال الفترة المقبلة، له أثر إيجابي على الاقتصاد الكلي للدولة من حيث إنه يساعد على طرح سندات يوروبوند لاستبدال استحقاقات الشهور المقبلة في حدود 3-4 مليارات دولار، إلا أنه عديم الأثر على المواطن، خاصة وأن وضع الدولة والسياسات النقدية والمالية المتبعة منذ 3 سنوات قد فصلت تماما بين وضع الاقتصاد الكلي وحياة المواطن -لأسباب كثيرة منها التركيز في جلب الاستثمار التمويلي والأوراق المالية الحكومية والاستغراق في الديون الخارجية، دون الاستثمارات الإنتاجية-، وهو ما يعني أن سفينة الاقتصاد بوضع يتحسن لكن ركابها لن يشعروا بأي صدى إيجابي حاليا.
أما فيما يخص الجدل الدائر بشأن سعر الصرف والتوقع غير العلمي بوصول الدولار إلى قيمة 80 جنيها، فتقرير فيتش ذاته قد حمل عبارات مهمة وحاسمة في هذا الشأن، وفي تقديري أنها تحمل توصيفا دقيقا للموقف بلا تهليل أو تهويل أو تهجيص -إن جاز الوصف-، منها أنه لا يوجد أي دليل على تدخل البنك المركزي في سوق العملات منذ انخفاض سعر الصرف الرسمي بنسبة 38% في مارس الماضي، وأيضا عدم تباين سعر السوق الموازية عن الرسمي مع ارتفاع أحجام تداول العملات الأجنبية بين البنوك بنحو 10 أضعاف عن مستواها قبل توحيد العملة.
أيضا أشار التقرير أنه لم يتم الإبلاغ عن تراكم لطلبات العملات الأجنبية في البنوك، وهو ما يعني أن الوضع الحالي لقيمة العملة المحلية مستقر وأنه لا توجد أي مؤشرات على حدوث "تعويم" في الفترة القريبة، بما ينفي أي حديث عن تعويم مرتقب ويخرجه من أي توقعات محتملة للمختصين خلال المدى القريب وبما يظهر عدم سلامة الطرح بوصوله إلى هذه القيمة أو استناده إلى أي أسس علمية، طالما ظل الوضع على ما هو عليه.
وهذا الاستدراك في نهاية الفقرة الأخيرة أشار إليه التقرير كذلك، بالنص على أنه على الرغم ذلك – يقصد استقرار العملة- فإن حدوث صدمة خارجية من شأنه أن يشكل اختبارًا أعظم لالتزام السلطات بقدر أكبر من المرونة في سعر الصرف، أي أن وضعنا جيد إلى أن تأتي الصدمة، وهو ما يتفق مع مضمون كتابي اقتصاديات الطائرة الورقية، الذي أشرت فيه إلى عدم التمكن من تحديد الوجهة بقرار داخلي بسبب ضعف الاقتصاد وعدم إنتاجيته بالشكل الكافي ليؤمنه ضد الصدمات التي لا يبدو أن المستقبل سوف يخلو منها.
ختاما فرفع التصنيف الائتماني يمثل خطوة إيجابية من ناحية تعزيز الثقة الدولية، لما فيه من دور في دعم الاستثمار الأجنبي في سندات الحكومة أو أذون الخزانة المصرية، لكنه لا يحمل أي إشارات لحل المشكلات الاقتصادية اليومية التي يواجهها المواطن، خاصة في ظل التضخم المرتفع وانحسار الانفاق العام الذي يتماس مع المواطن في جوانب دعم المحروقات.
وبالمناسبة.. فهذه الإشكالية التي تُطرح مع أي إعلان لتحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي أو معدلات النمو، بموعد أثرها على المواطن، تعد موضع تساؤل حقيقي عند قطاع عريض من المواطنين دون أي توضيحات من المسئولين، وهو ما أحاول الإجابة عنه تفصلا في ورقة سياسات أعدها بالتعاون مع عدد من الباحثين، ونسعى خلالها لوضع آليات واضحة من شأن تطبيقها أن يخلق علاقة طردية بين هذا التحسن ومعيشة المواطنين.