ادعاء الفضيلة وفساد المجتمعات
منذ يومين تقريبا، شاهدت بثا مباشرا لإحدى الطبيبات، خلال قيادتها سيارتها. كانت تنظر للكاميرا بغضب شديد وقد كانت على وشك أن تخبرنا بأمر جلل، ماذا وجدتي أيتها الطبية! هل اكتشفتي علاجًا جديدًا لسرطان الثدي؟، أو ربما بحثًا علميًا منشورًا بإحدى المجلات العلمية ينفع النساء، أو الأطباء في مجال النساء والتوليد؟.
هل ستخبرين النساء بأهمية الولادة الطبيعية، مع كيفية تخفيف الألم؟.
هل ستخبرينا عن تجنب تشوهات الأجنة بالكشف المبكر مثلا؟. ماذا لديك أيتها الطبيبة؟
لا.. أعزائي، السيدة جلست فوق إحدى المساطب لتنتهك أعراض المريضات وتخبرنا عن صدمتها حين فحصت تاريخ المريضات، وتلصصت على قصص حياتهن، وحكمت عليهن أحكاما بالزنا وسوء السلوك!!!.
لا تندهش عزيزي القارئ، فالسيدة الجالسة على المسطبة، أقصد السيارة، قررت التعبير عن صدمتها بفضح ما حدث في مستشفى النساء والولادة وفق رؤيتها.
حالة التعالي والفوقية واحتقار النساء والحكم عليهن.. وكأن الخطيئة لها طرف واحد والثاني غير مرئي، نظرة ذكورية.
الحكم على قضايا من مشهد أو مشهدين، وقد يكن ضحايا بالأساس.
طفلة عمرها 14 عاما، قد تكون تعرضت لكارثة حقيقية وخافت بسبب أفكار مثل التي تعشش بعقلك، فبدلا من الصراخ والإبلاغ سكتِ. هل تخيلتي كم هو الألم النفسي الذي عانته هذه الصغيرة؟ أحبت شابًا واعتدى عليها. أحد أفراد الأسرة ربما. لماذا نظرتي لها كمجرمة؟.
والدتها اكتشفت وحاولت تنقذ بنتها. أي أم بتحب ولادها عليها فعل ذلك، أي أم وسط مجتمع تدفع فيه الفتيات وحدهن ثمن الخطايا لأن لديهن أرحاما.. وقررت حماية ابنتها رغم أنها ستقابل بالإهانة. تعتبر بطلة وأنت هنا بدلا من دعم الأم وطمأنتها ومطالبتك لها بأن لو لإبنتها حق، أن تسعي له قررتي تركها في حالة الإغماء لأنها تستحق وعلى حد وصفك: "معرفتش تربي". إنسانة كانت تحتاج لدعمك كامرأة يفترض أنها متعلمة ومتخصصة.
محترفات السلوك السيء لا يصلن للشهر الثامن، محترفات السلوك السيء لا تذهب بهن أمهاتهن للطبيب.
الأطفال جميعا، مهما فعلوا يجب حمايتهم وتوجيههم للسلوك السليم وليس التخلي عنهن.
والسيدة التي سجنها زوجها وأنكر حملها، سألتي نفسك هل يمكن أن يكون قد لفق لها القصة كلها؟.
قضايا الزنا دي محتاجة شهود، جاي ومعاه الشهود وواخد القرار، مش يمكن؟ في ألف يمكن. ولو أخطأت وعوقبت. ما شأنك؟.
لقد انتشر الفساد، إلحقوا البنات، بلاش تربية إيجابية. كلمات جاهلة بكل واقع البشر. الفساد موجود في الأرض منذ قتل الأخ أخيه. البشر جميعا ودائما يخطئ ويعاقب، أو يترك للعدالة الإلهية في النهاية.
الأطفال الذين يتم رميهم في الشارع، بسبب أن المجتمع لا يغفر لأطفال المذنبين أو حتى الضحايا، إنهم هم الضحايا.
ضحايا قرار الإنجاب أو حتى الإكراه عليه خارج المنظومة المعترف بها، والغريب أننا نحتقر العالم الذي يأخذ هؤلاء ويرعاهم، أو يجعل لهم مخرجا، كي يعيشوا بسلام.
الفساد في مجتمعاتنا هو ادعاء الفضيلة. تلك هي رزيلة مجتمعاتنا في حقيقة الأمر.
ادعاء الفضيلة وإخفاء قمامتنا بدلا من معالجتها أولا بأول. آفة مجتمعاتنا هي إنكار البشرية، ومراقبة الآخرين للتأكد من أنهم لا يمارسون الجنس خارج النظام. مراقبة زوجات وبنات الآخرين واتهامهن بالفساد إذا ما خالفن عرفا أو نصا وكأن هذه الأمور أصلا من شأننا.
إن البعض لا يهتم لأكوام القمامة التي تركن أمام بيته، مثلما يهتم بملابس زوجة جاره.
ثم نتحدث عن الفساد؟ لدينا أزمة مفاهيم.هذا هو الفساد الذي يجعل الضحايا يعانون، وأبناء الضحايا لا يجدون ملاذا، وأبناء المذنبين مذنبين، عليهم أن يعيشوا بالشوارع أو يموتوا داخل حاويات القمامة.
إن إنكار حق الإنسان في الخطأ، فإن كان شخصيا تحمل تبعاته دون أن يعاني غيره، وإن كان عاما يعاقب بالقانون، هو سبب الفساد المجتمعي في حقيقة الأمر.
تتأففين من رؤية مذنبين؟ وهل أنتي بلا خطيئة، من يعلم؟ أليس اتهام الناس بالباطل خطيئة أخلاقية؟.
أليس كشف أسرار المرضى داخل مجتمع مغلق نسبيا جريمة. هل المخطئ في حق نفسه، يؤثر على مسار حياتك أو حياتنا؟. لكن خطأك أنتي كطبيبة أضر بالآخرين. هل لو كنتي سببا في قتل الفتاة ستشعرين بالرضا وأن العالم بخير؟.
معالجة الفشل بادعاء الفضيلة الظاهرية ومحاكمة الآخرين والتحكم بحياتهم الشخصية، أسلوب المجتمعات الفاسدة التي لا يأمن فيها فرد على نفسه.