سوريا عادت أم ذهبت إلى الأبد؟
اليوم تغير المشهد السوري بشكل دراماتيكي مع الأنباء التي تؤكد مغادرة الرئيس بشار الأسد، وهو الحدث الذي يمثل نقطة تحول كبرى في مسار الأزمة السورية الممتدة منذ أكثر من عقد، فقد كانت سوريا منذ عام 2011 ساحة لصراع مرير بين أطراف داخلية وقوى إقليمية ودولية، وهو صراع أدى إلى دمار شامل في البنية التحتية وتشريد الملايين ومقتل مئات الآلاف، واليوم ومع هذا التطور غير المتوقع تتجه الأنظار إلى سوريا لمعرفة ما إذا كان هذا الحدث يمثل بداية لمرحلة جديدة تعيد البلاد إلى وحدتها واستقرارها أم أنه قد يكون مقدمة لمزيد من الانهيار والفوضى.
مغادرة بشار الأسد تعكس في جوهرها انهيار النظام الذي ظل لسنوات يروج لنفسه على أنه صامد أمام كل التحديات والضغوط الداخلية والخارجية، لكنها في الوقت نفسه تفتح الباب أمام تساؤلات حاسمة حول مستقبل البلاد في ظل هذا الفراغ السياسي الخطير هل ستكون هذه اللحظة بداية فعلية لمصالحة وطنية شاملة بين الأطراف المتنازعة أم أن القوى الإقليمية والدولية ستعمل على تعميق الانقسام لتحقيق مكاسب خاصة على حساب وحدة سوريا وشعبها؟
رحيل الأسد يعني الكثير على مستويات عدة فهو ليس فقط نهاية لمرحلة من الحكم بل هو أيضًا بداية لمرحلة انتقالية معقدة تتطلب قيادة قادرة على تجاوز خلافات الماضي وتحقيق توافق وطني حقيقي، لكن هذا التوافق لن يتحقق دون دعم دولي وإقليمي يضع مصلحة الشعب السوري فوق كل الاعتبارات الأخرى
على مدى السنوات الماضية كان بشار الأسد رمزًا للانقسام بين السوريين وبين القوى العالمية، فبينما رآه مؤيدوه حاميًا للدولة ومؤسساتها اعتبره معارضوه المسؤول الأول عن كل الكوارث التي حلت بسوريا من قمع الحريات إلى تدمير المدن وتشريد الملايين، ومع خروجه من المشهد السياسي يبدو أن سوريا تدخل مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والآمال في آن واحد
لكن مغادرة الأسد لا تعني نهاية الأزمة بل قد تكون بداية لفصل جديد من الصراعات والتحديات، فالإرث الثقيل الذي تركه نظامه من دمار اقتصادي واجتماعي وانقسامات سياسية يحتاج إلى سنوات طويلة وجهود مكثفة للتعامل معه وإعادة بناء ما دمرته الحرب، وهذا يتطلب إرادة حقيقية من جميع الأطراف السورية دون استثناء.
المجتمع الدولي اليوم أمام مسؤولية تاريخية لا يمكنه أن يغض الطرف عنها، فترك سوريا تواجه مصيرها وحدها وسط هذا الفراغ السياسي والأمني سيؤدي حتمًا إلى كارثة جديدة قد تمتد آثارها إلى خارج حدود البلاد لذلك فإن المطلوب هو رؤية شاملة تضمن تحقيق انتقال سياسي سلمي يعيد للسوريين دولتهم ويضمن وحدة أراضيهم.
أما القوى الوطنية السورية فهي الآن أمام امتحان حقيقي لإثبات قدرتها على بناء نظام جديد قائم على العدالة والمساواة والشراكة الوطنية بعيدًا عن الإقصاء والتهميش، ولتحقيق ذلك يجب أن تكون المصالحة الوطنية هي الأولوية القصوى فلا يمكن لسوريا أن تستعيد عافيتها دون توافق حقيقي بين جميع مكوناتها
سوريا التي قاومت الغزاة على مر العصور والتي تحملت كل أشكال المعاناة والصراعات قادرة على النهوض من جديد، لكن هذا يتطلب رؤية واضحة وإرادة جماعية تجعل من هذه اللحظة التاريخية فرصة لإعادة البناء لا محطة جديدة للصراعات والانقسامات.
كمصري عاشق لسوريا أقول إن سوريا ليست مجرد دولة شقيقة بل هي جزء من وجداننا العربي، وأي ألم يصيبها يصيبنا جميعًا، وها هي اليوم أمام مفترق طرق حقيقي، فإما أن يستغل أبناؤها هذه اللحظة التاريخية لبناء مستقبل جديد قائم على التوافق والمصالحة، وإما أن تتحول هذه الفرصة إلى محطة أخرى من الصراعات التي تعمق الجراح وتزيد المعاناة، السوريون وحدهم قادرون على اختيار الطريق وأملنا أن يكون طريق الأمل والبناء هو الخيار الذي ينتصر.