وعيد لفرعون وقومه| تفسير فاستخف قومه فأطاعوه.. الجهل سببًا لانتشار البدع والضلال
يبحث ملايين المسلمين عن تفسير «فاستخف قومه فأطاعوه»، في الآية رقم 54 من سورة الزخرف، إحدى السور المكية، عدا الآية الرابعة والخمسون فهي مدنية، وهي قول الله تعالى «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ»، وقد تحدثت سورة الزخرف عن موضوعات كثيرة منها مسيرة الدعوة الإسلامية وما واجهتها من عقبات واعتراضات، وكذلك تنزيه الله عما لا يليق به، ومناقشة المشركين في دعواهم الباطلة، وغيرها من مقاصد تطرقت لها سورة الزخرف، ونوضح منها تفسير فاستخف قومه فأطاعوه.
تفسير فاستخف قومه فأطاعوه
يشير تفسير فاستخف قومه فأطاعوه، إلى الحديث عن فرعون، وفي تفسير الميسر، أي استخف فرعون عقول قومه فدعاهم إلى الضلالة، فأطاعوه وكذبوا موسى عليه السلام، فصاروا قومًا خارجين عن طاعة الله وصراطه المستقيم، وتوضح هذه الآية الكريمة أسباب انتشار البدع والضلال في المجتمع الجهل.
كما يتضح من تفسير فاستخف قومه فأطاعوه، خطورة الاغترار والتمادي في المعاصي، حيث جاءت الآية التالية «فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ»، وفي تفسير القرطبي قال عمر بن ذر: يا أهل المعاصي لا تغتروا بطول حلم الله عنكم واحذروا أسفه فإنه قال «فلما آسفونا انتقمنا منهم».
والمستفاد من هذه الآية وفقا لتفسير الوسيط، في قوله تعالى «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ»، بيان لما كان عليه فرعون من لؤم وخداع، ولما كان عليه قومه من جبن وخروج على طاعة الله، أي وبعد أن قال فرعون لقومه ما قال من تطاول على موسى عليه السلام، طلب منهم الخفة والسرعة والمبادرة إلى الاستجابة لما قاله لهم، فأجابوه إلى طلبه منهم، لأنهم كانوا قوما خارجين على الطاعة، مؤثرين الغي على الرشد، والضلالة على الهداية.
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فأطاعوه السعدي
وقد فسر الإمام السعدي رحمه الله، الآية الكريمة "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" أي استخف عقولهم بما أبدى لهم من هذه الشُبه، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا حقيقة تحتها، وليست دليلا على حق ولا على باطل، ولا تُروج إلا على ضعفاء العقول، فأي دليل يدل على أن فرعون محق، لكون ملك مصر له، وأنهاره تجري من تحته؟ وأي دليل يدل على بطلان ما جاء به موسى لقلة أتباعه، وثقل لسانه، وعدم تحلية الله له، ولكنه لقي ملأ لا معقول عندهم، فمهما قال اتبعوه، من حق وباطل.
فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما آسفونا، أي أغضبونا بطاعة عدونا وقبول مغالطاته بلا دليل، وتكذيب موسى وآياته، وندائه بالساحر، ونكث العهود، ثم جاءت باقي الآية الكريمة "انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين"، وذلك لاستغراقهم في بحر الضلال، وعدم نفع العظة معهم بحال من الأحوال، "إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" فبسبب فسقهم، قيض لهم فرعون، يزين لهم الشرك والشر.
كما أوضح الإمام القرطبي في كتب التفسير، تفسير فاستخف قومه فأطاعوه، فقال ابن الأعرابي: المعنى فاستجهل قومه فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم، يقال: استخفه الفرح أي أزعجه، واستخفه أي حمله على الجهل، ومنه "ولا يستخفنك الذين لا يوقنون".
وقيل، استفزهم بالقول فأطاعوه على التكذيب، وقيل استخف قومه أي وجدهم خفاف العقول، وهذا لا يدل على أنه يجب أن يطيعوه، فلا بد من إضمار بعيد تقديره وجدهم خفاف العقول فدعاهم إلى الغواية فأطاعوه، كما قيل استخف قومه وقهرهم حتى اتبعوه، إنهم كانوا قوما فاسقين أي خارجين عن طاعة الله.