صناعة العقول موضوعًا لخطبة الجمعة اليوم| نص الخطبة
حددت وزارة الأوقاف المصرية، موضوع خطبة الجمعة اليوم 13 من ديسمبر 2024 بعنوان: صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان، قائلة إن الهدف من هذه الخطبة هو توعية جمهور المسجد بأهمية صناعة العقل الواعي المفكر المبدع.
نص خطبة الجمعة:
الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وبهجة قلوبنا وقرة أعيننا وتاج رؤوسنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختاما للأنبياء والمرسلين، فشرح صدره، ورفع قدره، وشرفنا به، وجعلنا أمته، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن صناعة العقول ليست مجرد شعار يرفع، بل إنها منهج حياة وواقع ملموس تجسد في الإنجازات العلمية والحضارية الهائلة التي زخرت بها الحضارة الإسلامية، ووقف أمامها التاريخ موقف إعزاز واحترام وإكبار.
أيها الناس، إن صناعة العقول صناعة ثقيلة حازت إشرافا تاما وعناية فائقة من الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه، فقد تفقد النبي صلى الله عليه وسلم عقول أصحابه رضوان الله عليهم منقبا عن اللآلئ والدرر والمواهب والقدرات العبقرية الفذة فيهم، مستخدما في ذلك الوسائل والأساليب الناجعة للبحث عن أي إنسان تلوح عليه بوادر النبوغ والعبقرية والنجابة.
ولتتأملوا هذا المجلس النبوي الشريف الذي يجلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام ليستثير هممهم وينشط عقولهم ويستنفر إبداعهم، ويذكي روح التنافس بينهم، فيسألهم هذا السؤال العجيب: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المؤمن، حدثوني ما هي؟ فقال سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في نفسي أنها النخلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي النخلة، أرأيتم أيها الكرام هذا العصف الذهني الفريد الذي يصنع العقلية المفكرة التي تتفاعل مع البيئة والكون وأجناسه؟!
ثم إليكم تلك الرائعة النبوية في استخدام الرسوم التوضيحية التي تفتح باب التأمل والبحث والتفكر، حيث خط النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام خطا مربعا، وخط في وسط الخط خطا، وخط خارجا من الخط خطا، وحول الذي في الوسط خطوطا، فقال: «هذا ابن آدم، وهذا أجله محيط به، وهذا الذي في الوسط الإنسان، وهذه الخطوط عروضه، إن نجا من هذا ينهشه هذا، والخط الخارج الأمل».
أيها اللبيب، فتش في ذاتك وفيمن حولك عن المواهب الفذة والقدرات العبقرية والنبوغ المبدع، فإن كثيرا من العقول العظيمة تحتاج إلى صيرفي خبير يبرز إبداعها ويشجع إنتاجها؛ لتتحول تلك الموهبة إلى شمس مشرقة وغيث مدرار أينما حل نفع، وحاديك في ذلك الجناب الأنور صلوات ربي وسلامه عليه الذي منح سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه رتبة علية ومنزلة سامية سامقة، لا رتبة فوقها، حيث نسبه صلوات ربي وسلامه عليه إلى نفسه الشريفة وإلى بيته الكريم الطاهر؛ تقديرا لفكرته المبدعة، فكرة الخندق يوم الأحزاب، ليحوز هذا الشرف العظيم الذي ما فرح بشيء بعد الإسلام مثل فرحه به إنما سلمان منا أهل البيت.
أيها السادة، إن الاستثمار في العقول وما تحمله من مواهب هو باب التقدم والرقي، فحينما احتاجت الأمة لسفير فوق العادة تم اختيار العقلية الدبلوماسية المتمثلة في سيدنا مصعب بن عمير رضي الله عنه سفيرا إلى يثرب الخير، وكانت العبقرية العمرية حاضرة حينما وقع اختيار سيدنا عمر رضي الله عنه على صاحب العقلية التربوية سيدنا ربعي بن عامر رضي الله عنه ليكون متحدثا رسميا أمام قائد الفرس، فيعرض أهداف ومرامي ديننا الحنيف في مشهد ليس له في تاريخ البشرية نظير.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها اللبيب تأمل: أفلا تتفكرون، أفلا تعقلون، أفلا تنظرون، دعوات قرآنية صانعة للعقول، داعية لاستخراج المواهب والقدرات في نفسك وفي أولادك وفيمن حولك، فهل آن للأسرة أن تقوم بدورها العاجل أمام هذا الزخم المعرفي والمحتوى الرقمي، لتبصر أبناءها بالمحتوى الهادف الذي يصنع العقل ويحرك الوجدان ويستثير المعرفة؟! ألم يحن الوقت أن نبني عقول أطفالنا وشبابنا من خلال برامج السوشيال ميديا وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المبدعة المليئة بقيم الرحمة والتسامح والإبداع، حتى لا تختطف عقول أبنائنا أو تشحن بالتشاؤم والإحباط والسلبية، وحتى نصنع فيهم العقلية الفارقة القادرة على صد طوفان الإلحاد والانتحار والتطرف؟!
ألسنا نحتاج في مؤسساتنا التعليمية إلى تنمية مهارات طرح وبلورة تحليل الأفكار، وتعزيز قدرات الابتكار والإبداع والاختراع والاكتشاف في الطب، والفلك، وعلوم التشريح، وعلوم البستنة، وتنظيم الحدائق، وعلوم الحياة، وعلوم الحضارة، وأن نحكي لأبنائنا القصص الملهمة التي تبرز نبوغ ابن خلدون، وجابر بن حيان، والخوارزمي، والحسن بن الهيثم وغيرهم من أصحاب العقليات الفذة الصانعة للحضارة.. أيها الناس، إن صناعة العقول بناء للإنسان، وإحياء للإنسانية، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.