الطفولة بناء وأمل.. موضوع خطبة الجمعة في المساجد اليوم| نص الخطبة
حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة اليوم، 18 من جمادي الآخرة 1446هـ الموافق 20 من ديسمبر 2024، في المساجد التابعة لها بعنوان: الطفولة بناء وأمل.
وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف من هذه الخطبة هو توعية جمهور المسجد بأهمية بناء إنسان مستنير بالعلم، قادر على أن يتحدى الزمن بالإنجاز.
وفيما يلي نص خطبة الجمعة:
نص خطبة الجمعة
"الحمد لله العزيز الحميد، القوي المجيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من نطق بها فهو سعيد، سبحانه هدى العقول ببدائع حكمه، ووسع الخلائق بجلائل نعمه، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ومرسليه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، شرح صدره، ورفع قدره، وشرفنا به، وجعلنا أمته، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الطفولة أجمل ما في الوجود، والنبع الحقيقي للحب والحنان في حياة الإنسان، الطفولة أحلى مراحل العمر، وأعظم فترات الحياة أهمية، والأطفال نعمة جليلة من نعم الله الوهاب التي لا تعد ولا تحصى {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}، ففي ابتسامتهم البساطة، وفي تعاملهم البراءة، أحاديثهم مشوقة، ومشاعرهم صافية، أنفاسهم كالزهر في فجر الربيع، حياتهم نقاء، وصفحاتهم بيضاء.
وإذا كان واجب الوقت هو بناء إنسان متسلح بالعلم قادر على الإنجاز وتذليل التحديات، فاعلموا أيها الكرام أن نواة بناء الإنسان بناء طفولته، فبمقدار ما يتشكل الإنسان في طفولته يصير في رجولته، وحري بالمجتمع أن يحتشد لهذا البناء الشريف، وحقيق بكل أب وأم أن يسارعوا في تقديم كل أوجه الرعاية والعناية والترفيه والمتعة للطفل، وأن يبادروا إلى ملء فراغ الطفل بما يجعله سعيدا متفائلا مقبلا على الحياة.
أيها السادة، إن مما تعلمناه من علمائنا الأجلاء أن الطفولة تتوقف عندها الأحكام، وقد استدلوا على ذلك بحال الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه، فها هو ينزل من منبره الشريف، ويقطع خطبته السامية؛ تلطفا وتحننا لتعثر حفيديه سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين رضوان الله عليهما؛ وتصور معي أن الصلاة التي هي راحة النبي صلى الله عليه وسلم وسكينته وطمأنينته، كان حضرته صلى الله عليه وسلم يخففها لأجل بكاء طفل صغير، فها هو صلوات ربي وسلامه عليه يوقف حكم التأني والتمهل، ويتركه إلى ما هو أحب منه في هذا المقام من التحنن والترفق والشفقة والتلطف بالطفل، وإشباع نهمته في المتعة والترفيه والتعليم، في تطبيق نبوي فريد وحال شريف لتلك القاعدة القرآنية {فبما رحمة من الله لنت لهم}.
أيها الناس، ألا يستحق أطفالنا لغة الاحترام والرقي والرحمة الموجهة من اللسان النبوي الشريف وهو يواسي طفلا في موت عصفوره، جابرا خاطره، مترفقا به، رافعا الحزن عن قلبه: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟» ألم يحن الوقت للجلوس مع أبنائنا لنستمع إلى تطلعاتهم وآمالهم، ونعيش آلامهم، ونواسيهم كما واست الأحضان النبوية هذا الطفل الصغير، والطفل وفي ذكي حصيف، يحفظ الجميل، ويتذكر كل لحظة طيبة ويد حانية.
أيها الكرام، أفسحوا المجال للطفل، أشبعوا معنوياته حتى يخرج إنسانا سويا قويا مفكرا مبدعا، امنحوا الأطفال قبلة الحياة بأن تفيضوا عليهم جميل المشاعر والأحاسيس وجرعات الحب والحنان. اغرسوا في أطفالكم قيم استشعار رقابة الله عليه، والشجاعة، والتحدي التي غرسها نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه في وجدان الصبي الأمين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، إذ قال له: «يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».
إن القلب يعتصره الألم من حزن طفل وغصة حلقه جراء فقد حنان أسرته وسط مشاغل الحياة المتسارعة. أيها الناس، هل أصبح حالنا مع أطفالنا حال هذا الأعرابي الذي قسا قلبه على أولاده، فتراه يستغرب تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم لأحفاده الكرام رضي الله عنهم وحنوه عليهم واحتواءه لهم وإفاضته الرفق والأنس على قلوبهم، حتى استحق ذلك الأعرابي هذا اللوم المحمدي «من لا يرحم لا يرحم».
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها الكرام، إن التعامل مع الأطفال من منطلق الحب واللين وإحياء الطفولة من أجل اهتمامات الأديان السماوية والحضارات الإنسانية، فكم من طفل أحيا الله به مجد أمة؟ واسألوا التاريخ عن تجربة الطفولة عند عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، والشافعي، ومالك؛ لندرك أن الأطفال هم أمل الوطن ومستقبل الأمة.
فلنبن الإنسان ببناء الطفولة المفكرة المبدعة، القادرة على التحدي والنبوغ والتفوق، ولنوقف نزيف الطفولة وسط هذا الركام من الألعاب الإلكترونية، والمواقع المشبوهة، والأفكار الهدامة، ألا تقدر أيها النبيل حجم الدمار الذي يعاني منه طفلك جراء الجلوس بالساعات وبيده جهاز محمول، فيتشتت عقله، ويفقد ملكاته، وتضيع مواهبه؟!
أيها السادة، إن التعامل السيئ مع الأبناء يؤدي إلى ترك أثر قبيح داخل نفوسهم، ويزرع مشاعر غل وكراهية قابلة للتحول إلى موجة غضب عارمة، ولك أن تتخيل ماذا يكون في ذاكرة شاب طرد من مسجد الحي وهو صغير، أو ما انطبع في قلب تلميذ لم يجد من معلمه إلا القسوة والغلظة؟!
أيها الناس، هذه دعوة لإكرام وجبر خاطر كل طفل، أحيطوا الطفل بكل صور الحب والود والترفيه المفضي إلى التعليم؛ لعله أن يكون غدا المرموق في الأنظار، المبتكر المخترع الشاعر الأديب الكبير".