رامي هلال: النقد الحقيقي ينبثق من النوع الأدبي.. والقصة القصيرة تناسب الإيقاع السريع للعصر
يعد الناقد رامي هلال واحد من النقاد المميزين على الساحة النقدية الآن، لما يتسم به نقده من تنوع بين الشعر والسرد، وهو مزيح من نقد أكاديمي داخل أسوار الجامعة حيث إنه حاصل على الدكتوراه في النقد الأدبي، ونقد يقوم على النشر خارج أسوار الجامعة ومن أهم كتبه في هذا الإطار كتابه جماليات القصة القصيرة بين الرؤية والتشكيل، الصادر مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
وفي حوار له مع القاهرة 24 تحدث رامي هلال عن النقد ومناهجه وحال النقد في ظل الأدب الرقمي، وإلى نص الحوار.
- ماذا يعني النقد بالنسبة لك؟
النقد هو طريقة عقلية قبل أن يصبح علما وفنا: بمعنى أن العقول منها التحليلي ومنها النقدي، لذا تجد ناقدا بالفطرة، ولابد لهذه الفطرة من الاستعداد: بالعلم والتكوين الثقافي العميق، والنقد بالنسبة لي: هو مشروع حياة لا يقف عند إظهار المحاسن والمساوئ في الجنس الأدبي، لكنه الحارس والحارث لبستان الجمال في حياتنا العامة كلها: سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وأدبيا؛ فالنقد بهذا المفهوم هو سر من أسرار نهضة الدول والمجتمعات إذا انتقل مفهومه من الأدب إلى الحياة.
- هل ترى المناهج النقدية توائم الأنواع الجديدة من الأدب مثل: الرواية الإلكترونية وغيرها ؟
النقد الحقيقي ينبثق من النوع الأدبي ذاته ويزامنه أو يتأخر عنه لحين نضوج الجنس الأدبي، فالنضوج الفني يستحث المعيار النقدي على الظهور، وقد يسبق النقد من خلال نظرياته التي توسع مدارك الإبداع ؛ النقد ليس إطارا نمطيا يتم تنزيله على كل الأنواع، بل، لابد أن يخوص صراعا تجريبيا كالأنواع الأدبية سواء بسواء.
- في كتابك (جماليات القصة القصيرة بين الرؤية والتشكيل) الفائز بالمسابقة المركزية تقول: إن القصة القصيرة تعاني من التهميش النقدي؟
نعم، لأن النقد أحيانا يتبع التقاليع (الموضة) الجديدة؛ فإذا اتجه التيار الإبداعي نحو الرواية فإن التيار النقدي – وهذا دوره – يتابعها بالعرض والنقد والتحليل، وسبب آخر هو أن النقد يقوم بدور تعليل الذائقة الفنية، فإذا شاعت ظاهرة أدبية أو علا جنس أدبي على آخر، فللنقد كلمته، فالرواية مهيمنة ونقدها مهيمن أيضا.
- لكن ألا ترى أن القصة القصيرة أصبح لها أولوية في ظل الانفتاح التكنولوجي وحرص الكثير على القراءات القصيرة وليس الطويلة كالرواية ؟
هناك صلة روحية عميقة بين الأجناس الأدبية ومضامينها وأشكالها، وروح العصر الذي قيلت فيه، وظهور جنس أدبي على آخر يرجع لعوامل معلومة وأخرى مجهولة، وسؤالك يفجر تلك الإشكالية؛ فالقصة القصيرة تناسب الإيقاع السريع للعصر لكنها ليست بالسهولة التي تعلم، فالقصة لا يعنيها الامتداد الطولي للشخصيات والأحداث مثل الرواية بقدر ما يعنيها الحفر عمقا في بنية الحدث أو الشخصية من خلال الموقف الكاشف، وبلاغتها الحقيقية تكمن في هذا التكثيف والاختزال على كل مستوياته، وهذا مكمن الصعوبة، ولعلك تقول: فما بال القراء يتجهون للرواية؟، وأقول: ربما الرواية أكثر ملحمية وتساعد القارئ العصري على التأمل والسياحة الفكرية التي فقدها في زحمة الأعمال واللهاث المادي.
- على أي أساس اخترت النماذج التطبيقية في كتابك (جماليات القصة القصيرة)؟
اخترت إحدى عشرة مجموعة قصصية تشغل حيزا زمنيا مختلفا، يتفاوت مؤلفوها بين أجيال مختلفة في الكتابة السردية، ولم أغفل الصوت النسوي، وقد حاولت التركيز نقديا على رؤية كل مجموعة، موضحا زاوية النظر لدى الكتاب، وطرائق التشكيل الفني، وتقنيات السرد، وتحليل مؤشرات العنونة والعتبات مع إبراز الخصوصيات والسمات المميزة لكل قاص، أو ما أسميه بصمة السرد.
- ما المشروع النقدي الذي تطمح لتحقيقه على المستوى الشخصي؟
أطمح إلى تطوير النظرية النقدية العربية التي زامنت الإبداع العربي ردحا من الزمن بما يتناسب مع روح العصر ومشكلاته وقيمه الفنية والمعرفية، كما أحاول أن أستنطق بما لدي من أدوات السرد القرآني بما فيه من إعجاز إخباري وفني، بما يعود على الأدب العالمي بالنفع والخير.