بين العادية والمثالية
• في شهر نوفمبر اللي فات 2024 حصل موقف كان محور حديث معظم وسائل الإعلام في أمريكا اللاتينية وبالذات في البرازيل.. اللي حصل إن البلوجر المعروفة ألين تمارا واللي عندها 37 سنة، وهي واحدة من أهم البلوجرز في البرازيل، واللي شهرتها وصلت لأمريكا وأوروبا كمان بسبب فيديوهاتها اللي بتتكلم بشكل يومي عن الأزياء والماكياج والموضة، قررت إنها تطلع رحلة بحرية كنوع من تغيير الجو وبالمرة تبقى فرصة لتصوير فيديوهات جديدة في أجواء جديدة.. تمام عظيم.. قررت تاخد معاها صديقتها البلوجر برضه بتريز فاريا اللي عندها 27 سنة.
رغم وجود فرق سن 10 سنين بين ألين، وبين بتريز إلا إنهم كانوا صديقتين مقربتين جدًا، والجمهور حب الاتنين مع بعض بسبب تقارب محتواهم.. بتريز وافقت على فكرة ألين ويالا بينا نطلع الرحلة البحرية اللي بتقولي عليها.. تم التنسيق في كل حاجة واختاروا بالفعل مركب متوسطة أقرب للصغيرة واختاروا التاريخ اللي الأجواء المناخية هتكون مناسبة فيه للإبحار واختاروا كمان 3 من أصدقائهم يكونوا معاهم بالإضافة للاتنين قائد المركب ومساعده يبقى كده الإجمالي كله 7 أشخاص بيهم..
قبل ما يطلعوا على المركب كانت ألين، ومعاها بتريز مشغولين جدًا إنهم يعملوا سيشوار لشعرهم ومكياج كامل كإنهم رايحين حفلة مش رحلة بحرية.. الموضوع ده أخد وقت طويل لدرجة إنهم اتأخروا في الانطلاق بالمركب وعطلوا باقي الناس معاهم لمدة 3 ساعات!.. بس مش مهم المهم نركب المركب وإحنا على سنجة عشرة!.. الأصدقاء التلاتة اللي هيركبوا معاهم بدأوا يتضايقوا من اللا مبالاة اللي عندهم دي واللي هو أنتم هتذلونا عشان عاملين لنا رحلة على حسابكم!.
لكن وبعد 3 ساعات من التحضير أخيرًا جهزت ألين، وبتريز وبدأت الرحلة.. الحقيقة إن البنتين كانوا دايمًا بيبقوا حريصين على الظهور بالمظهر المثالي في أى خروجة.. وصل بيهم الحال إنهم كانوا بيناموا بالماكياج الكامل!.. الرحلة كانت لطيفة في بدايتها لحد ما وصلت المركب لقرب سواحل مدينة ساو باولو.. هنا ظهر قائد المركب وطلب من كل الركاب الخمسة بالإضافة للمساعد بتاعه إنهم يلبسوا عوامات النجاة لإن الجو بدأ يقلب ومن المتوقع إنه هيقلب بزيادة كمان بعد شوية.
الكل نفذ أوامر قائد المركب باستثناء ألين، وبتريز اللي استهانوا بالموضوع.. عوامات إيه اللي هنلبسها!.. ده كده هدومنا هتتكرمش.. ده كده الماكياج هيبوظ.. ده كده تظبيط شعرنا هيتنعكش.. لا يا عم فكك.. فكك إيه!.. يا بنات الجو بدأ يقلب.. لا معلش الدنيا زي الفل أهو وأنت بتبالغ.. حتى لما حاول أصدقائهم يقنعوهم بإن طز في شوية الكرمشة اللي هتحصل للهدوم أو النعكشة اللي هتحصل للشعر قابلوهم باستخفاف وإن بلاش أفورة ومينفعش أي واحدة مننا تضحي إن مظهرها يتهز ولو لثانية واحدة.. يا بنتي منك ليها هو فيه حد شايفكم!.. لأ بس إفرض إننا فتحنا اللايف فجأة أو صورنا صورة للإستوري!.. هينفع نظهر للناس وإحنا متبهدلين!.. الحقيقة إن الحوار كان عبثي وبدون طائل لإن البنتين كانوا مصممين على موقفهم.
عدى على الموقف ده نص ساعة بالظبط وحصل اللي قال عليه قائد المركب الحرف.. الجو فجأة اتملى غيوم وأعاصير والموج هاج والمطرة نزلت بشكل مكثف للدرجة اللي بسببها كل اللي على المركب بقوا مرعوبين وماسكين في أجزاءها بمنتهى الفزع.. الشيء المضحك في الأمر إن وسط كل اللي حاصل ده كانت ألين، وبتريز بيحاولوا يمسكوا بإيديهم اليمين في أى حاجة تحفظ توازنهم، في حين إن إيديهم الشمال مشغولة بتصوير سيلفي في الجو الغريب ده.. طبعًا شيء من العبث.. الموج علي أكتر وضرب في واحدة من نوباته المركب قلبها!.. قلبها وجاب فوقيها تحتيها.. طبعًا موقف صادم للكل بس الكل كانوا عاملين حسابهم ولابسين عوامات النجاة ما عدا ألين، بتريز!.. أيوا اللي جه في بالك صح.. الـ 5 الركاب بما فيهم القائد والمساعد نجوا من الحادث وتم إنقاذهم من البحر من خلال قوات خفر السواحل البرازيلية لإنهم فضلوا طافيين على سطح الميه بسبب العوامات، لكن الآنستين اللي فضلوا مظهرهم المثالي اتوفوا للأسف وكانت وفاتهم صدمة لكل متابعينهم اللي كانوا لحد قبل وفاتهم وغرقهم بلحظات بيتفرجوا على فيديوهاتهم وصورهم!.
• الحرص على الظهور بمظهر مثالي بيحسسني إن الشخص ده أبعد ما يكون عن المثالية، وإن فيه من النقص اللي هو أكبر بكتير من إنه يبقى شخص عادي حتى مش مثالي زي ما هو عايز يبين للناس.. المبالغة في إظهار التدين، والمبالغة في إظهار الثراء، والمبالغة في إظهار حُسن الأخلاق هي أمور بتثبت إن صاحبها بيحاول يستخبى ورا حاجة مش موجودة عنده أساسًا.. إحنا بشر والكمال لله.. لو ربنا عايزك صلب كان خلقك حجر أو حديد بس ضعفك، ورقة مشاعرك، وانهياراتك اللحظية، ونعكشتك الظاهرية سواء في ملامح أو مظهر هي مسألة طبيعية.. مفيش ضرر من شوية عادية بدل الجري ورا المثالية.. عادي تقلق، عادي تزعل، عادي تنعزل شوية، عادي تبكي.. مش بننشف ولا بنقوى ولا عودنا بيشد غير من شوية التجارب اللي يبانوا ضعف.. فيه مقولة لطيفة بتقول: "عظامك ليست مصنوعة من زجاج دع الحياة تصدمك.. فلتُهزم، فلتُخطأ، فلتُخذل، فلتيأس، لا تهرب، دع الحياة تقويك".. إحنا بشر مش حجر، ولا مانيكان، ولا روبوت.