والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم.. موضوعًا لخطبة الجمعة المقبلة

حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: "والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم"، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو توعية الجمهور بمنزلة ومكانة وأجر الشهداء عند رب العالمين.
نص الخطبة
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد كما تقول، ولك الحمد خيرا مما نقول، سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها أحدا فردا صمدا، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختاما للأنبياء والمرسلين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن أجل صور النبل والشرف والوفاء والفداء أن يجود الإنسان بنفسه، وأن يقدم روحه سخيا بها فداء لوطنه، إنها مرتبة لا تدانيها مرتبة، ومنزلة لا تقاربها منزلة، لحظة من الزمان بوزن الزمان كله، يوم تطل السماوات والأرض والشمس والقمر والجبال على بطل من أبناء مصر في لحظة خطر لم يعد أمامه سوى أحد خيارين، إما أن ينجو بنفسه ويؤثر سلامته ليترك الخطر يتسلل إلى بلده ووطنه، وإما أن يؤثر الوطن ويفتديه بروحه ويقدم نفسه لأجله، ويوم أن تبين له أن نجاة بلده تكمن في تقديم روحه قدمها فداء لوطنه رخيصة ليستمر الوطن نابضا بالحياة، مثمرا بالخير والسلام والإباء والنماء.
أيها الناس، تأملوا الشهيد في جنان الفردوس وعلياء الخلود، يطل علينا من وراء حجب الغيب ليرى طفلا وليدا ينظر إلى الحياة بأمل،، وليرى مريضا ينتظر لحظة شفاء على يد طبيب وفي، وليرى عالما عاكفا في قاعة درسه، وليرى فلاحا يغرس بحب أرضه، وليرى أما كريمة ترعى بيتا كريما، وجميع هؤلاء في كفته وفي أمانه، فإن الشهيد استقبل الشهادة بشجاعة ليحيا هؤلاء، مات الشهيد ليحيا وطنه، وكأننا بالشهيد يطل من وراء حجب الغيب على وطن عزيز ليسر قلبه أن أرض الكنانة بسائر شعبها الكريم يقفون امتنانا له وعرفانا بقطرة دم شريفة سالت منه افتداء لهم بروحه.
أيها الكرام، إن الكلمات لتعجز عن وصف جلال أجر الشهيد، ولذلك فإن رب العالمين جل جلاله قد تولى بنفسه بيان العطاء الإلهي للشهيد، فها هو سبحانه وتعالى يقول: {والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم}، فيا أم الشهيد اطمئني وأبشري، إن ولدك البطل في جوار رب العالمين، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يتنعم بأجره ويستنير بنوره، وقد وصف لنا القرآن الكريم ثمانية أركان وقواعد بنيت عليها مكارم الشهيد، حيث قال سبحانه: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا} نداء لكل أب وأم، لشعب مصر العظيم، إياكم أن تظنوا أن من لقي ربه شهيدا قد مات {بل أحياء} حياة باقية خالدة سرمدية تتقاصر بجوارها حياتنا الفانية، {عند ربهم} عندية القدر والشرف والفخر والمجد، {يرزقون} وإذا تكلم رب العطاء عن الرزق والعطاء فهو العطاء والتجلي والفيض والكرامة والنور والنعيم المقيم {فرحين بما آتاهم الله من فضله} {ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم}، ينظر الشهداء من حجب الغيب لرفاقهم الجنود المخلصين ينادونهم في همس لا يسمعه الكون: قد افتديناكم بحياتنا، فلا تفرطوا في الأمانة {ألا خوف عليهم} {ولا هم يحزنون} {يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}.
وهذه بعض البشائر النبوية والمكارم المصطفوية للشهيد عند الله، بثها لنا الجناب الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه، حيث قال: «لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله؛ فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر».
عباد الله، ما أجمل أن تتعانق ذكرى يوم الشهيد مع ذكريات العز والشرف الرمضانية، ما بين غوث بدر، وفتح مكة، ومعركة حطين، وملحمة عين جالوت، وإشراقة العاشر من رمضان أكتوبر؛ لتتجلى صور الأبطال في أبهى حلة، وجوه طيبة نحتتها شمس الصحراء، وعيون ساهرة تحرس في سبيل الله، وسواعد قوية تحمل السلاح دفاعا عن الوطن، وقلوب عامرة بالإيمان واليقين.
فلنقف وقفة إجلال وإكبار لشهداء الوطن، ولنحي سيرتهم، ولنرب أولادنا على بطولاتهم، ولنغرس في النشء معاني الشهامة والتضحية والفداء، ولنقدم لهم ملاحم شهداء الوطن قصصا ملهمة، ونماذج منيرة، تحيي في داخلهم مجد أمة قام على أكتافها شرف الرجولة والفداء.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها الكرام: إن شهر رمضان المبارك ميدان التنافس والتسابق على فعل الطاعات والتقرب إلى الله تعالى بأنواع القربات، فأروا الله من أنفسكم خيرا؛ فإن المحروم من حرم خير هذا الشهر الفضيل، واعلموا أن من الحرمان والخذلان أن يسيل لعاب إنسان على كسب سريع أثيم، فيقبل على المراهنات الإلكترونية التي هي ميسر محرم وسلوك مجرم، وأكل لأموال الناس بالباطل، يقول الله جل جلاله: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}، ويقول سبحانه: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.
أيها المكرم، إن تعكير صفو طاعتك لله تعالى بالقمار والمراهنات خوض في مسالك المخاطر والشرور، وظلم للنفس وللغير، إن المراهنات الإلكترونية ميسر وقمار، ومعصية لله الواحد القهار، كيف تطيب نفسك أن تأخذ مال غيرك بيسر وسهولة من غير حق ولا كد ولا تعب؟! كيف تهنأ بشهر الطاعة والرحمة والخير والفيض والعطاء وأنت تقامر وتراهن وترجو ضربة حظ مهلكة موبقة؟! أما علمت أن غاية الصيام التقوى؟! فكيف لمقامر أن يكون من عباد الله المتقين؟!
عباد الله، وجهوا طاقاتكم إلى العمل والإنتاج، احشدوا هممكم للتنمية وخدمة الوطن، تعرضوا للروحانيات وتذوقوا لذة المناجاة في شهر البركات والنفحات، تنافسوا في الطاعة والقرب {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.