إسرائيل تتعنت في مفاوضات غزة.. وتجهز ميزانية حرب وسط غضب مصري متصاعد

في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة على وقع نيران متجددة وتصعيد دموي لا ينتهي، تتكشف فصول جديدة من التعنت الإسرائيلي والمراوغة في المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس.
الوزير الإسرائيلي رون ديرمر، الذي يقود فريق التفاوض الإسرائيلي، التقى هذا المساء في واشنطن، المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف.
يأتي هذا ضمن محاولات أمريكية لحلحلة المفاوضات المتعثرة، لكن إسرائيل تُراهن على عامل الوقت، مستغلة الغطاء الأمريكي لفرض شروطها التعجيزية على المقاومة الفلسطينية.
إسرائيل تُعرقل التهدئة
ووفقًا لمصادر إعلامية، قدمت حركة حماس تنازلات مهمة لإنجاح الخطة المصرية الجديدة، التي تهدف إلى إنهاء التصعيد مقابل الإفراج التدريجي عن الأسرى والرهائن.
ومصر التي دخلت بقوة على خط الوساطة، تعمل حاليًا على تأمين إطلاق سراح 5 أسرى إسرائيليين قبل نهاية الأسبوع مقابل تسهيلات إنسانية، لكن إسرائيل تُصر على عدم تقديم أي تنازلات ملموسة قبل تسليم جميع الرهائن.
الموقف الإسرائيلي المتعنت دفع مصر إلى إبداء غضبها علنًا من مماطلة تل أبيب، خاصة بعدما طلبت إسرائيل مهلة إضافية للرد على المقترح المصري الأخير.
وفي خطوة تعكس نوايا إسرائيل الحقيقية، رفضت تل أبيب مقترحًا مصريًا بشأن آلية توزيع المساعدات في غزة، مُصرة على أن يكون لها الحق في التحكم الكامل في توزيع تلك المساعدات.
ليس هذا فحسب، بل طالبت إسرائيل بجدول زمني واضح لنزع سلاح المقاومة في غزة، في تجاهل واضح لجوهر الأزمة وأسباب التصعيد.
توجه نحو الحرب
إسرائيل تُمارس سياسة ممنهجة لإطالة أمد الأزمة، مستفيدة من غطاء أمريكي ودعم مالي غربي.. والمماطلة في تنفيذ الاتفاقات، والإصرار على نزع سلاح المقاومة، والتحكم في المساعدات ليست سوى أدوات إسرائيلية لتكريس الاحتلال كأمر واقع.
كل ذلك يُفسر الغضب المصري المتزايد، خاصة أن القاهرة ترى في نجاح الخطة المصرية فرصة نادرة لتحقيق استقرار إقليمي، بينما تُفضّل إسرائيل إبقاء المنطقة في حالة توتر مستمر لضمان التفوق العسكري والسياسي.
مصر تعمل الآن على إنجاز هدنة مؤقتة خلال عيد الفطر في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن طالما استمرت إسرائيل في سياسة المماطلة والابتزاز، فإن أي تهدئة ستبقى هشة، وأي اتفاق سيبقى رهينًا برغبة إسرائيل في استمرار السيطرة لا إنهاء الصراع.
تكتيك إسرائيلي للابتزاز
المناورة الإسرائيلية لا تقتصر على المفاوضات، بل تمتد إلى الخطاب الداخلي، ومن مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو جاء بيان يحاول دحض مزاعم تورط المنحة القطرية في دعم الإرهاب.
وأكد أن الأموال القطرية تُستخدم فقط في تمويل الوقود والرواتب والإغاثة، ومع ذلك، فإن هذا البيان يبدو محاولة مكشوفة لتخفيف الضغط الدولي على إسرائيل.
وتؤكد مصادر استخباراتية أن حماس تُضطر لتحويل جزء من ميزانيتها المدنية (المتضررة بفعل الحصار الإسرائيلي) إلى جناحها العسكري.
وبعبارة أخرى، إسرائيل تُجبر حماس على خيارات صعبة، ثم تستخدم نتائج هذه الخيارات كذريعة لمزيد من التصعيد.
إسرائيل وميزانية الحرب
وعلى الصعيد الداخلي، ينعكس التعنت الإسرائيلي في طبيعة الميزانية الجديدة التي أقرها الكنيست، ووضفها وزير المالية، بتسلئيل سموتريش، بأنها ميزانية الحرب والاحتياطين.
وتتضمن الميزانية زيادة ضخمة في الإنفاق الدفاعي بلغت 110 مليارات شيكل، وهو أكبر بند في الميزانية، وانتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، الميزانية واصفًا إياها بأنها تُموّل صناديق ائتلاف فاسدة وتُعمّق التفاوت الطبقي.
ومن جهته، أشار عضو الكنيست، فلاديمير بيلياك، إلى أن تخصيص 5 مليارات شيكل لصناديق ائتلافية (منها تمويل مدارس حريدية لا تُدرّس المناهج الأساسية) يعكس انحرافًا واضحًا في أولويات الحكومة.
وليس غريبًا إذن أن تحذر وكالة "فيتش" من تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل، مما قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الاقتراض على الدولة.
سقوط في الداخل
ورغم محاولات إسرائيل تقديم نفسها كمجتمع ديمقراطي في الشرق الأوسط، فإن التقرير السنوي للمركز الإسرائيلي للديمقراطية يكشف صورة قاتمة للوضع الداخلي.
التقرير يُشير إلى أن نحو نصف الإسرائيليين يعانون من تراجع في الإحساس بالأمن الشخصي، خاصة في الداخل الذين يواجهون تصاعدًا في الجريمة المنظمة في ظل تقاعس السلطات الإسرائيلية.
والمفارقة أن غالبية اليهود في إسرائيل يُظهرون ثقة متزايدة في المؤسسات العسكرية والأمنية، ويؤيدون بشكل متزايد سياسات مراقبة الإنترنت بدعوى الحفاظ على الأمن.
كما يعكس التقرير انتشارًا واسعًا لقناعة بين الإسرائيليين بأن الاستيطان قرب الحدود يُعزز الأمن – وهي قناعة تعكس نجاح الدعاية الإسرائيلية في ترسيخ الاحتلال كضرورة استراتيجية.