بين الأمل والقلق.. هل يحل الذكاء الاصطناعي بديلًا لـ المعالج النفسي؟

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه أنظمة الرعاية الصحية حول العالم، بات الوصول إلى خدمات الدعم النفسي يمثل عقبة حقيقية لكثير من الأفراد، خاصة مع ارتفاع تكاليف العلاج وطول فترات الانتظار، ومع التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ظهرت حلول رقمية مبتكرة تُقدّم الدعم النفسي عبر تطبيقات ومنصات إلكترونية، تُحاكي جلسات العلاج التقليدي وتوفّرها بشكل فوري وبتكلفة منخفضة.
هل يحل الذكاء الاصطناعي محل المعالج النفسي؟
العلاج بالذكاء الاصطناعي، يعتمد على أدوات رقمية مثل، روبوتات الدردشة وتطبيقات الصحة النفسية التي تقدم استراتيجيات للتأقلم، وتمارين علاجية، وتوجيهًا عامًا يحاكي أسلوب العلاج بالكلام، ومع أن البعض يرى فيه حلًا مبتكرًا، إلا أن القلق يتزايد بين الخبراء بشأن مدى فعاليته وأمانه، خصوصًا عند الاعتماد عليه كبديل عن المعالجين البشريين.
وفي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، يعاني النظام الصحي من ضغط كبير، حيث تشير بيانات الجمعية الطبية البريطانية لعام 2025 إلى أن نحو مليون شخص ينتظرون تلقي خدمات الصحة النفسية، مع فترات انتظار قد تتجاوز 18 أسبوعًا، أمام هذا الواقع، يتجه كثير من الشباب إلى استخدام روبوتات المحادثة كوسيلة سهلة وسريعة للحصول على دعم نفسي.
ورغم ما توفره هذه التقنية من سهولة الوصول، فإنها لا تخلو من المحاذير، فالعلاج النفسي القائم على الحوار يتطلب فهمًا عميقًا للمشاعر، وقدرة على قراءة السياقات، وهو ما لا تستطيع برامج الذكاء الاصطناعي تحقيقه بالكامل، وذلك رغم أن بعض المعالجين يستفيدون من أدوات مثل، ChatGPT للمساعدة في وضع الخطط العلاجية، لكن هؤلاء يعملون ضمن إطار إشراف مهني، ويستخدمون الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة لا كبديل.
إدراك عاطفي منعدم في روبوتات الدردشة
وتكمن المشكلة في أن روبوتات الدردشة تفتقر إلى التعاطف الحقيقي والإدراك العاطفي، وهي قادرة على تقليد التعاطف، لكنها لا تشعر به. بينما يستطيع المعالج البشري بناء علاقة مبنية على الثقة والفهم المتبادل، فإن برامج الذكاء الاصطناعي تقدم استجابات تستند إلى خوارزميات قد تُخفق في فهم الفروق الدقيقة في مشاعر المستخدم أو خلفيته الثقافية.
وتصبح الخطورة أكبر عندما يتعلق الأمر بحالات نفسية معقدة أو أزمات حادة مثل التفكير في الانتحار أو إيذاء النفس. في هذه الحالات، لا تكفي النصائح الآلية، بل يتطلب الأمر تدخلًا من متخصصين مؤهلين قادرين على التقييم الدقيق والتعامل المهني.
واستخدام هذه الأدوات بشكل مفرط قد يؤدي إلى عزلة المستخدمين، وتأخير طلب المساعدة من مختصين حقيقيين، وفي أسوأ السيناريوهات، قد تزيد هذه العزلة من حدة المشاكل النفسية، بدلًا من التخفيف منها، مما يجعل المستخدم يغرق في دوامة من الألم دون دعم فعلي.
والعلاج النفسي التقليدي لا يقتصر على تقديم نصائح، بل هو رحلة تُبنى فيها علاقة إنسانية حقيقية بين المعالج والمريض، علاقة قائمة على الثقة والاحترام والفهم المتبادل، وهذه العلاقة لا يمكن استبدالها ببرمجيات مهما تطورت. فحتى لو كانت روبوتات الدردشة تقدم بعض المساعدة، إلا أن افتقارها للمساءلة والمراقبة الأخلاقية، إضافةً إلى المخاوف بشأن خصوصية البيانات، يجعل من الضروري التعامل معها بحذر شديد.