فقوموا ليلها وصوموا نهارها. تعرف على فضل ليلة النصف من شعبان
ليلة النصف من شعبان هي ليلة الخامس عشر من شهر شعبان، وهي الليلة التي تسبق يوم 15 شعبان، وتبدأ من بعد صلاة المغرب وحتى دخول صلاة فجر اليوم التالي.
ولهذه الليلة أهمية خاصّة في الإسلام، لأنه تم فيها تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام بمكة المكرمة بالعام الثاني من الهجرة على أرجح الآراء – بعد أن صلى المسلمين قرابة الستة عشر شهراً تقريباً تجاه المسجد الأقصى، ولأنه ورد فيها عدة أحاديث نبوية تبيّن فضلها وأهميتها، ويحييها عدد من المسلمين بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن والدعاء.
ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة، ورد في فضلها عدة أحاديث مجموعها يدل على أن لها أصلاً؛ بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف وبعضها شديد الضعف، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى ندب إحياء ليلة النصف من شعبان لأنها تكفر ذنوب السنة كما أن ليلة الجمعة تكفر ذنوب الأسبوع وليلة القدر تكفر ذنوب العمر، ولأن هناك خمس ليالي لا يرد فيهن الدعاء: ليلة الجمعة، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتا العيدين.
وذلك بناء على عدة أحاديث نبوية منها:
«إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه» رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وابن أبي شيبة في المصنف، والطبراني في المعجم الكبير والمعجم الأوسط، والبيهقي في شعب الإيمان. قال نور الدين الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما ثقات. ومعنى يُملي للكافرين: أي يُمهلهم لعلهم يرجعون. ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه: أي أن أهل الحقد والكراهية لا يُغفر لهم حتى يتركوا حقدهم ويُطهروا قلوبهم فهم محرومون من المغفرة ليلة النصف من شعبان.
«إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» رواه البيهقي في شعب الإيمان والطبراني في المعجم الكبير وفي المعجم الأوسط، وفي مسند الشاميين، والهيثمي في موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، وقال المنذري في الترغيب والترهيب بعد ذكره: رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه والبيهقي، ورواه محمد بن ماجة بلفظه من حديث أبي موسى الأشعري والبزار والبيهقي من حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بنحوه بإسناد لا بأس به، انتهى كلام المنذري. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: “ورجاله ثقات”.
«إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها؛ فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا، حتى يطلع الفجر» رواه محمد بن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان كلاهما عن علي بن أبي طالب.
«إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب» رواه الترمذي ومحمد بن ماجة، وصححه الألباني في تعليقه على السنة لابن أبي عاصم.
قال أحمد عمر هاشم: ومعني النزول هو نزول أمره ورحمته فالله منزه عن الجسمية والحلول، فالمعني علي ما ذكره أهل الحق نور رحمته، ومزيد لطفه علي العباد وإجابة دعوتهم وقبول معذرتهم: فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب (هو اسم قبيلة) وخص شعر غنم كلب لأنه لم يكن في العرب أكثر غنما منهم. «من أحيا الليالي الخمس وجبت له الجنة ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر وليلة النصف من شعبان» رواه إسماعيل الأصبهاني في “الترغيب والترهيب” من حديث معاذ بن جبل.
«من قام ليلة النصف من شعبان وليلتي العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» ومعنى القيام أن يكون مشتغلاً معظم الليل بطاعة وقيل بساعة منه يقرأ أو يسمع القرآن أو الحديث أو يسبح أو يصلي على النبى.
قال عبد الرحمن المباركفوري في (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان: “فهذه الأحاديث بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء، والله تعالى أعلم”.
وقال الشيخ عطية صقر في (فتاوى الأزهر: مايو 1997م): “هل ليلة النصف من شعبان لها فضل؟ والجواب: قد ورد في فضلها أحاديث صحح بعض العلماء بعضاً منها وضعفها آخرون وإن أجازوا الأخذ بها في فضائل الأعمال”.
وقال بعد سرد الأحاديث: “بهذه الأحاديث وغيرها يمكن أن يقال: إن لليلة النصف من شعبان فضلاً، وليس هناك نص يمنع ذلك، فشهر شعبان له فضله روى النسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور، ما تصوم من شعبان قال: “ذاك شهر تغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم”.
المراد من الليلة المباركة في سورة الدخان
يقول فخر الدين الرازي في التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب: ليلة منتصف شعبان اختلفوا في هذه الليلة المباركة، فقال الأكثرون: إنها ليلة القدر، وقال عكرمة وطائفة آخرون: إنها ليلة البراءة، وهي ليلة النصف من شعبان.
وأما القائلون بأن المراد من الليلة المباركة المذكورة في هذه الآية هي ليلة النصف من شعبان، فما رأيت لهم فيه دليلا يعول عليه، وإنما قنعوا فيه بأن نقلوه عن بعض الناس، فإن صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيه كلام فلا مزيد عليه، وإلا فالحق هو الأول، ثم إن هؤلاء القائلين بهذا القول زعموا أن ليلة النصف من شعبان لها أربعة أسماء: الليلة المباركة، وليلة البراءة، وليلة الصك، وليلة الرحمة، وقيل: إنما سميت بليلة البراءة وليلة الصك، لأن البندار إذا استوفى الخراج من أهله كتب لهم البراءة ، كذلك الله عز وجل يكتب لعباده المؤمنين البراءة في هذه الليلة، وقيل: هذه الليلة مختصة بخمس خصال:
الأولى: تفريق كل أمر حكيم فيها، قال تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم).
والثانية: فضيلة العبادة فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله إليه مائة ملك، ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا، وعشرة يدفعون عنه مكايد الشيطان.
الخصلة الثالثة: نزول الرحمة، قال عليه السلام: إن الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب.
والخصلة الرابعة: حصول المغفرة، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة، إلا لكاهن، أو مشاحن، أو مدمن خمر، أو عاق للوالدين، أو مصر على الزنا.
والخصلة الخامسة: أنه تعالى أعطى رسوله في هذه الليلة تمام الشفاعة، وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطي الثلث منها، ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطي الثلثين، ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطي الجميع إلا من شرد على الله شراد البعير.
ليلة منتصف شعبان
قال عبد الرحمن المباركفوري في (تحفة الأحوذي): “اعلم أن المراد من ليلة مباركة في قوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم عند الجمهور هي ليلة القدر، وقيل هي ليلة النصف من شعبان، وقول الجمهور هو الحق، قال الحافظ ابن كثير: من قال: إنها ليلة النصف من شعبان فقد أبعد، فإن نص القرآن أنها في رمضان، انتهى. وفي المرقاة شرح المشكاة قال جماعة من السلف: إن المراد في الآية هي ليلة النصف من شعبان إلا أن ظاهر القرآن، بل صريحه يرده لإفادته في آية أنه نزل في رمضان وفي أخرى أنه نزل في ليلة القدر ولا تخالف بينهما؛ لأن ليلة القدر من جملة رمضان، وإذا ثبت أن هذا النزول ليلة القدر ثبت أن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم في الآية هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان، ولا نزاع في أن ليلة نصف شعبان يقع فيها فرق كما صرح به الحديث، وإنما النزاع في أنها المرادة من الآية والصواب أنها ليست مرادة منها، وحينئذ يستفاد من الحديث والآية وقوع ذلك الفرق في كل من الليلتين إعلاما لمزيد شرفها، ويحتمل أن يكون الفرق في أحدهما إجمالا وفي الأخرى تفصيلا أو تخص إحداهما بالأمور الدنيوية والأخرى بالأمور الأخروية، وغير ذلك من الاحتمالات العقلية، انتهى”.
وقال ابن عجيبة في (البحر المديد): “وروى أبو الشيخ، بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} قال: “ليلة النصف من شعبان، يُدبر أمر السنة، فيمحو ما يشاء ويُثبت غيره؛ الشقاوة والسعادة، والموت والحياة”. قال السيوطي: سنده صحيح لا غُبار عليه ولا مطعن فيه. هـ. وروي عن ابن عباس: قال: إن الله يقضي الأقضية كلها ليلة النصف من شعبان، ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر. وفي رواية: ليلة السابع والعشرين من رمضان، قيل: وبذلك يرتفع الخلاف أن الأمر يبتدأ في ليلة النصف من شعبان، ويكمل في ليلة السابع والعشرين من رمضان. والله أعلم”.
الاجتماع لإحياء ليلة النصف من شعبان
ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة الاجتماع لإحياء ليلة النصف من شعبان وليلتي العيدين في المساجد لأنه لم يفعله النبي ولا الصحابة فأنكره أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم: عطاء وابن أبي مليكة وفقهاء أهل المدينة وأصحاب مالك وغيرهم وقالوا ذلك كله بدعة ولم ينقل عن النبي ولا عن أصحابه إحياء ليلة النصف من شعبان وليلتي العيدين جماعة. واختلف علماء الشام في صفة إحياء ليلة النصف من شعبان على قولين: أحدهما: أنه استحب إحياؤها بجماعة في المسجد، وقال بذلك طائفة من أعيان التابعين كخالد بن معدان ولقمان بن عامر ووافقهم إسحاق بن راهويه. والقول الثاني: أنه يكره الاجتماع لها في المساجد للصلاة وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم.
قال ابن رجب الحنبلي في (لطائف المعارف): أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلي فيها بخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم، وهذا الأقرب إن شاء الله تعالى. وقال أيضاً ما نصه: فينبغي للمؤمن أن يتفرغ تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدّم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب. وقد بيّن الإمام الغزالي في الإحياء كيفية خاصة لإحيائها، وقد أنكر الشافعية تلك الكيفية واعتبروها بدعة قبيحة، وقال الثوري هذه الصلاة بدعة موضوعة قبيحة منكرة.