مدفع الإفطار.. 575 عامًا يطرب سماع المصريين بسبب صدفة السلطان (صور وفيديو)
صوت مدوي ينير سماء القاهرة، صيحات أطربت من قوة الدفعة، صراخ ياتي من الغرفة العلوية لنجلة معالي خديوي مصر، فاطمة التي لطالما أحب المصريون سماع صوتها بقدر حبهم لصوت آذان المغرب في شهر رمضان الكريم، لتترجل إلى الأسفل سريعا.
-ما هذا الصوت؟
-إنه مدفع رمضان
ما بين الأسماء الكثيرة التي أطلقت على المدفع الذي أصبح عمره 575 عامًا هذا العام، يبقى اسم مدفع فاطمة أكثرهم تلاقيًا مع أذهان القائمين على المدفع فيقول الرقيب أول بالحماية المدنية “محمد ناصر هجرس” والمشرف على مدفع الإفطار :”حكاية مدفع فاطمة بتخليني احب المدفع أكتر من حبي ليه كصوت بيفكرنا بالعيلة واللمة في رمضان”
مرت 575 سنة على إطلاق مدفع الإفطار منذ انطلق لأول مرة في مصر عام 865هـ عندما أراد السلطان المملوكي خشقدم أن يجرب مدفعًا جديدًا وصادف إطلاقه وقت المغرب أول أيام رمضان، في وقت لم يكن العالم قد عرف فيه وسائل الإعلام والاتصال الحديث.
يبدأ اليوم عند “محمد” بوصول كيس مملوء بحوالي كيلو إلا ربع بارود، بالإضافة إلى سلك طوله 18_20 متر يتم استخدامه كأجد إجراءات السلامة خلال عملية ضرب الدانة، السلك ذاته في نهايته فتيل، يتحرك أحمد ليوضح عمليًا قبل حوالي نصف ساعة من آذان المغرب والذي يظبطه مع إذاعة القراءن الكريم يوميا والتي لا تفارق هاتفه المحمول لاستخدامه في ضرب مدفع الإفطار.
منظر السرور الذي يسيطر على شكل “محمد” في الشرح والتطبيق العملي ليس ببعيدًا عن الأثر التاريخي للمدفع الذي يطرب الأسماع بصوته في مصر على مدار التاريخ ما دفع السلطان خشقدم عام 865 هـ في إطلاق المدفع كل يوم إيذانًا بالإفطار ثم أضاف بعد ذلك مدفعي السحور والإمساك، وكانت القاهرة عاصمة مصر أول مدينة ينطلق فيها مدفع رمضان.
قصة محمد مع المدفع تكتمل بان يقوم بجلب الطلقة ووضع داخلها فتيل السلك بعد ثقبها بعناية لتثبيته داخلها بشكل محكم، بعدها يتم فتح كتلة ترباس المدفع بشكل سينمائي لوضع الطلقة من الداخل، وقتها يكون الشفق في قمته والشمس تواصل الانحدار نحو المغيب.
يقول محمد :” المدفع ليه ثقب من فوق وبنحط الفتيل ونقفل الترباس وناخد 20 متر بعيد كجزء من إجراءات السلامة، فقط شخصين يقومان بهذه العملية التي يتنتظرها سكان القاهرة على الأخص ويستمتع بسماعها عبر الأثير الشعب المصري باكمله من الصغير إلى الكبير”.
“مدفع الإفطار… اضرب”.. ثلاثة كلمات يطرب لها الآذان، يقولهما الضارب بعد انتهاء عمليات التلقيم وشد السلك عن بعد، تزامنًا مع انتهاء قراءة القراءن قبل آذان المغرب لينطلق بعدها بثواني معدودة الآذان سامحا للملايين بتناول الطعام عقب يوم من الصيام في شهر رمضان.
ولان مصر دائمًا أولا، بدأت الفكرة تنتشر في أقطار الشام، القدس ودمشق ومدن الشام الأخرى ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط وكذلك اليمن والسودان وحتى دول غرب أفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالي ودول شرق آسيا حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونسيا سنة 1944.
وكذلك استُخدم مدفع الإفطار في مكة المكرمة كغيرها من المدن السعودية، إذ اعتاد السعوديون عامة، وأهالي العاصمة المقدسة خاصة، وجود مدفع رمضان الذي يكون إلى جانب الأذان، مؤذنًا بالإفطار تارة، وبالإمساك وقت السحور تارة أخرى.
انتهت رحلة الرقيب أول محمد هجرس مع مدفع الإفطار اليوم، بينما تستمر يوميًا خلال شهر رمضان الكريم، وفي سنوات قادمة قد يبقى فيها محمد، أو لا يبقي، بينما يستمر المدفع أحد الظواهر الرمضانية التي يتجمع المصريون لسماعها كأول مرة استمعوا فيها إليه عام 865 هـ، ليستمر 575 عامًا بعدها.