مجدي أحمد على يكتب: مصر أو الطوفان
هل نحن نعيش حقا في دوله ينص دستورها على تجريم التمييز بين مواطنيها على أساس الدين أو اللون أو العرق أو العقيده؟ ألا يعتبر مقترف هذه الجريمه مشيعا للفتنه مهددا للوحده الوطنيه؟ هل نطبق حقا أبسط مبادئ الدستور والقانون الذي يعتبر(اذدراء الأديان) -وليس الدين الإسلامي فقط- جريمه يعاقب مرتكبها بالسجن وعقوبات أشد في حالة التكرار؟ الإجابه بالقطع لا.. أو على الأقل هناك قدر هائل من (التمييز) في التعامل مع جرائم التمييز بحيث تهب كل مؤسسات الدوله والمجتمع غضبا على أي شبهة مساس بالدين الإسلامي ولا تحرك ساكنا إذا تعلق الأمر بأي دين سماوي آخر.
عشرات البلاغات الموثقه بازدراء الدين المسيحي تقبع في الأدراج لم يتحرك منهم بلاغ واحد.. عشرات المتنطعين يملؤون برامج التلفزيون والإذاعه يفاخرون بتكفير إخوتنا في الوطن فلا يمنعهم أحد أو يتعرضون لعقوبات شكليه خجوله دون أي محاكمات جديه أو عقوبات رادعه.. مئات المساجد والزوايا تجهر مكبرات أصواتها بالطعن في العقيده بل واستحلال الدماء والأموال للمختلفين في الدين أو حتى المختلفين في الدين نفسه (كالصوفيين أو الشيعه) بل واستحلال قتلهم إذا لم يستجيبوا (للنصيحه) التي تؤمم الدين على طريقتها المريضه.. وما زالت الدوله تدلل السلفيين اللذين يروجون لهذه الأفكار وتسمح لأحزابهم-الدينيه- والمخالفه للدستور بنشر سمومها وسط الناس بل واعتلائهم المنابر في المساجد ووسائل الإعلام +بالمناسبه في مداخلة السلفي يوسف إسماعيل ببرنامج القاهره والناس وعندما جاء ذكر فيلم (مولانا) استنكر السلفي تضامن الفيلم مع ضحايا حرق الصوفيين وهو الأمر الذي نفذه الإرهابيون السلفيون بعدها بساعات في أبشع جريمه عرفتها مصر بقتل ٣٠٠ مسلم بدعوى أنهم صوفيين لم يستجيبوا للنصيحه.
نصرخ منذ سنوات.. أن قتل الإرهابي فقط لن يحل المشكله إن لم يفاقمها.. بل هو نوع من العبث إذا لم يدمر (العش أو وكر أو المفرخه) التي يتوالد فيها هؤلاء ويتاكاثرون ويحملون السلاح بعد أن تتعفن أدمغتهم بسرطان الأفكار.. العش هو الفكر الذي لايواجه إلا بفكر مضاد (يتم للأسف اضطهاد أصحابه وحبسهم) وبدوله تولي اهتماما فائقا بالثقافه والفن(حتى الآن تنظر الدوله للثقافه كشئ تافه لا ترصد له سوى ما يكفي مرتبات جيوش موظفيه وما يتجاوز الدعايه للنظام تعتبره بلا ضروره بلا إدراك لقوة مصر الناعمه الممثله في التأثير التراكمي الهائل للثقافه والفن، ناهيك عن الصناعه التي تمتلك مصر فيها تفوقا ملحوظا وأسواقا مفتوحه للأفكار والعمله الصعبه.
نصرخ منذ سنوات أن تجديد الخطاب الديني والثقافي لاينجح إلا بثورة تشمل كل المؤسسات وعلى رأسها الأزهر الذي مازال يرى الأزمه مفتعله وأن مؤامرات الخارج هي المسؤوله الوحيده عن كل ما نعاني وأن كتب التراث الصفراء هي مقدسات لا تمس وأن جرائم الدواعش والسلفيين والجهاديين هي مجرد أخطاء بسيطه في المنهج لاتستلزم تكفيرا ولا إخراجا من المله وأن المناهج التي يتخرج بها طلابه سليمه وأن الأمر لا يعدو كونه شائعات وحروب يراد بها تحطيم الأزهر كمؤسسه (وسطيه).
يلغي أمير السعوديه جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ونكرسها نحن في مصر تحت مسميات عجيبه وبقوائم ما أنزل الله بها من سلطان، يعلنون تنقية (البخاري) وكتب التراث من كل مالا يتفق مع كتاب الله ومع إنجازات الأمه الحضاريه ونلقي نحن القائلين بهذا إلى أعماق السجون.. هل هذه مصر؟! ..هل نطمح فعل لأي تقدم أو تغيير أو إنجاز من أي نوع وفي أي مجال؟ أشك كثيرا ولا أرى أملا يلوح في الأفق إلا إذا أفاقت الدوله وأوقفت الكارثه التي ننجرف إليها.
أعتقد جازما بأن أمرا (سياديا) كفيل بوقف المهزله على كافة المستويات وهو أمر ليس مستحيلا ولا صعبا عندما نرى رد فعل أكثر المؤسسات تشددا في المملكه تستجيب بسرعة هائله وتغير فتاواها المحنطه بحيث كدنا نصدق أنهم رواد التجديد والتحديث وليس الأمير الغاضب!! أمر سيادي ينهي المهزله.. هل ننتظره أم أن علينا أن ننتظر حتى يفيق الجميع ليغيروا بأنفسهم واقعهم ومستقبلهم.