حيرة “عايدة” بين الأوبرا والمعبد
يأتي إعلان دار الأوبرا المصرية عن تنظيم أربع عروض لأوبرا عايدة بالمسرح الكبير نهاية سبتمبر الجاري، في ذات الوقت الذي نجد فيه وسائل الإعلام المحلية والعالمية تتابع وترصد ترتيبات تنظيم عرضين لأوبرا عايدة على أرض معبد الملكة حتشبسوت بمدينة الأقصر، أواخر أكتوبر المقبل، واللذين سيشهدان عودة “عايدة” إلى موطنها الأصلي بعد غياب نحو عقدين من الزمن.
المنافسة في تقديم الأعمال الفنية، كأي منافسة، تساهم في التباري نحو حشد الإمكانات لتقديم الأفضل، بما يصبُ في صالح الفن والجمهور في نهاية الأمر، إلا أن احتضان مصر في النصف الأخير من هذا العام، في شهرين متتابعين، لحدثين بهذا الحجم الضخم من حيث الإنتاج، والإعداد، وأطقم العمل، وعناصر الجذب والإبهار، بل ويرتبط كليهما بذات الملحمة الإنسانية التي تُجسد الصراع بين العاطفة والواجب، هو في واقع الأمر لا يخدم الرسالة الفنية، بل يعكس على النقيض من ذلك دلالات عدم التنسيق، ويشير إلى تحرك الدولة والقطاع الخاص في مسارات متوازية دون أي نقاط إلتقاء.
فتكرار العروض الفنية الذي قد يُنظر إليه على أنه يثري الثقافة والفن المصري، يؤدي في واقع الأمر في حالة حدثي “أوبرا عايدة” هذا العام إلى نتائج غير ايجابية، كما يفرضُ مقارنة غير منصفة، فرغم أن القصة مشتركة، إلا أن الرؤية مختلفة، والجمهور المستهدف ليس واحداً، والمعالجة الفنية متباينة، فبينما تمثل العروض على المسرح الكبير محاولة لتقديم لوحات فنية مميزة وجاذبة للجمهور المحلي، فإن العروض على معبد الملكة حتشبسوت مغامرة يؤكد القائمون عليها أنها تسعى إلى جعل “عايدة” حدثا سنوياً على أجندة السياحة العالمية، يجذب شريحة مميزة من السياح من دول العالم.
ودعنا نتصور عزيزي القارئ، ماذا لو أن هناك اندماجاً بين الحدث الذي تنظمه دار الأوبرا المصرية، والثاني الذي يرعاه تكتل من شركات سياحة وطنية ؟
الحقيقة أن الإجابة على هذا التساؤل تجعلنا نتطلع إلى “أوبرا عايدة” عملاقة.. ذات موازنة ضخمة.. بتنظيم مشترك بين وزارة الثقافة والمهتمين من القطاع الخاص.. تضم فريق عمل يستقطب المهارات والأصوات القوية من جنسيات مختلفة.. تحقق أهداف خلق حدث فني مميز ومبهر.. دون اغفال جوانب الربح.. تساهم في جذب آلاف السياح من مختلف دول العالم.. وتتيح أيضاً الفرصة للمهتمين من مصر حضور هذا الحدث الهام.
بين حدث حكومي وآخر استثماري لأوبرا عايدة.. تبدو “عايدة” حائرة بين الأوبرا والمعبد، ولعل التجربة تكشف لكلا الجانبين أن التنسيق وتوحيد الرؤى هو السبيل لإعلاء راية الفن والثقافة المصرية، ودفع حركة السياحة، خاصة أن الهدف واحد، والغاية مشتركة.