“ماتفوتنيش أنا وحدي!”
في الخمسينات فيه مجرم إنجليزي شهير إسمه “ألفريد جورج هيندز” وشهرته “ألفي”.. إتعود ينصب ويسرق ويزور وكان ضيف دائم على السجون البريطانية من وقت للتاني.. الحقيقة إن “ألفي” كان مجرم شيك وبرنس.. عملياته بيعملها بـ فن يخليك تحترم دماغه وذكائه أكتر ما تتقفل منه لإنه مجرم، ويخليك كمان تستخسر الدماغ والمخ دول فى الإجرام.. لا يا عم إنت المفروض تكون بتشتغل رئيس مجلس إدارة شركة كبيرة.. مسئول حكومي صايع فى وزارة الخارجية يعرف يتفنن عشان يجيب حق بلده لو حد قرب منه.. مفتش مباحث مفيش قضية تقف قدامه.. تبقي حتى مدرب كورة لفريق مستحيل يتقهر مادام مدربه واحد زيك.. كده يعني! لكن مجرم ومزور!.. والله خسارة.. المهم إن “ألفي” كان حابب السكة دي ومشي فيها.. كان فيه خلاف دائم بينه وبين مراته اللى كانت عايزاه يبطل اللى بيعمله ويفكه بقي ويستقر بدل العيشة اللى كلها قلق وتوتر وخوف دي.. بس هو كان مصمم يكمل.. شغلانة فل وعنب وبتجيب أكتر بكتير من اللي أى شغلانة محترمة بتجيبه.. وبعدين لحظة!.. هو أنا مش محترم!.. بالعكس ده كل نظرات الناس ليا مليانة بالإحترام اللى ساهم فيه شكلي الوقور الهادي بالنضارة المدورة اللى بتديني هيبة.. أنا كده وهفضل كده.. يختلفوا يتصالحوا ويرجعوا يختلفوا تاني وهكذا.. خلّى بالك برضه إن وجود قصة حب بينهم قبل الجواز كان ليها دور فى رجعوهم بعد أى خلاف.. لكن فى مرة حصل بينهم خلاف جامد وعنيف إنتهي بإنفصالهم بشكل نهائي.. كل طرف كان مرتاح للقرار لأنه وصل للمنتهي من الطرف التاني وكان كل طرف بيقول على التاني يالا بالسلامة المركب اللى تودي.. عادي مش مهم مش التاني اللى إختار؟.. يبقي يشرب.. فى مرة بتتعب مراته بمرض غامض وصعب.. قلب “ألفي” القوي اللى الخوف مايعرفش طريق له بدأ يتهز ويخاف من فقد شريكة عمره وحبيبته واللي مهما حصل بينهم محدش هياخد مكانتها!.. طب والخناقة والخلاف والكرامة وقرار البعد؟.. ده مع إتنين يعرفوا بعض عشان مصلحة أو لفترة أو حبهم ماكنش أساسه الحب لكن هما لأ.. تتحجز مراته فى المستشفي.. يشاء ربنا إنه يتقبض عليه فى نفس الوقت تقريباً ويترحل على السجن مباشرة لتنفيذ حكم قديم كان عليه.. يهرب عشان يروح يشوفها!.. يدخل لها المستشفي بصعوبة ويتكلم معاها ويفهم إن المرض تملك منها.. تطلب منه طلب واحد بس.. ماتعملش حاجة غلط تاني.. يقول حاضر.. وياريت تكمل مدتك اللي فى السجن عشان مبقاش قلقانة عليك.. يعني أرجع تاني السجن برجليا!.. إيه الهبل ده!، هو كافيه ولا قعدة علي شط البحر هقطع تذكرة وأخش!.. عشان خاطري.. السبب الوحيد اللى ممكن يخليني أتحسن هو إني ماحسش إنى خايفة عليك.. وبعدين بقي!.. طب أنا لو دخلت السجن تاني هطمن عليها إزاي!..طبعاَ وقتها لا كان فيه موبايلات ولا التليفونات الأرضي كانت منتشرة أساساً.. بس أنا وعدتها ولازم أنفذ.. رجع السجن تاني.. هرب تاني يوم.. راح زارها.. إطمن عليها.. رجع السجن تالت.. محدش حس بحاجة.. راح زارها وإطمن عليها.. رجع السجن رابع.. وخرج اليوم اللى بعده برضه بدون ما حد يحس بحاجة، وهكذا.. بقي يخرج ويدخل للسجن كل يوم رغم صعوبة الإجراءات والحراسة المشددة بس “ألفي” كان بيتصرف!.. اللي هو لو محبوس فى زنزانة نقطة شرطة أبو المطامير هيبقي موضوع خروجه ودخوله من السجن كل يوم أصعب من كده!.. بس عشانها كله يهون ويختفي اللاممكن والمستحيل يبقي عادي.. والهدف؟.. ماتبقاش لوحدها فى لحظة ضعف.. الطبيعي إن تصرفه ده كان يبسطها بس هي إتضايقت منه أكتر عشان بيعرض نفسه للخطر وعشان اللى بيعمله ده إسمه إستهبال مش وفاء بالوعد.. هو كان شايف إن إنتي مالك ما أنا بعمل لك اللى إنتي عايزاه أهو وبالنسبة لإدارة السجن أنا سجين موجود كل يوم وبينفذ عقوبته تمام التمام بس فى نفس الوقت أنا مش هينفع ماشوفكيش كل يوم!.. بتتوفي مراته متأثرة بمرضها وبعدها بيقرر “ألفي” اللى بقي محطم نفسياً إنه يخرج من السجن بشكل نهائي عن طريق لعبة قانونية صايعة بيعملها وبتبقي نتيجتها إنه بقى بره وبدأ حياة جديدة زى ما وعدها!.. “ألفي” إتعمل معاه كذا حوار صحفي بعد كده بيكلموه فيه عن نشاطه الإجرامي وإزاى قدر يعمل اللعبة القانونية اللى خرج بيها من السجن آخر مرة وبتاع.. كان بيجاوب بدون حرج.. بس برضه كان بيحكي حكايته مع مراته ولما كان بيوصل للنقطة دي كان بيقول إنه لحد اللحظة دي مش عارف إيه اللى كان بيحركه وقتها ويخليه يعرض حياته للخطر أو منين جت الشجاعة والقلب الميت اللى كان فيهم وهو بيهرب كل يوم.. بس بعد شوية تفكير كان رده وإن إختلفت صياغته مش بيخرج بره جملة: (مهما كانت الخلافات فقد إحتاجتني!، وعند الحاجة تذوب الحسابات).
- الإنبوكس:
- الرسالة الأولي:
أنا “أيمن”.. 29 سنة.. خطبت “هدير” من 3 سنين بعد قصة حب كبيرة أثناء الكلية.. حدوتنا بدأت من 10 سنين وكانت بتزيد كل يوم عن اليوم اللى قبله وكان لازم تنتهي النهاية المنطقية بالخطوبة.. مش هخجل وهقول على أكبر عيب فيا قدامك وقدام الناس وهو عصبيتي.. أنا مضغوط من مليون إتجاه وبخوض كل يوم حرب محدش يعرف حاجة عن تفاصيلها.. حرب فى الشغل.. حرب فى تجهيز الشقة.. حرب فى لملمة الفلوس اللى بركتها قلت.. زود على كده كمان إني كتوم ومش بحب أحكي حتي لأقرب الناس ليا.. ده كان بيخلق جو مشحون أثناء مناقشتي مع “هدير” فى أى موضوع حتى لو كان تافه.. إستحملت مني كتير الحقيقة.. الموقف الأهم واللي خلاّني شوفتها من زاوية تانية لما كنا مع بعض فى الشارع وحصل بينا خلاف.. الكلام أخد صيغة فيها حدة.. فضلت ماشية وهى بتتكلم.. لأ.. أنا عايزها تقف وتتكلم معايا عشان ننهي القصة اللى بنتناقش فيها دي خصوصاً إن الشارع فاضي ومافيهوش حد غيرنا!.. فضلت مكملة مشي.. مسكتها من إيدها بالعافية وقولت لها: (أنا بتكلم معاكى بصى لي هنا فى وشي مش هفضل أجري وراكي).. ترد بمنتهي الهدوء اللى كنت فاكره وقتها برود وتقول: (فى علم النفس بيقولوا إن لما يكون فيه مشادة كلامية بينك وبين حد بتحبه ياريت ده يحصل وإنتم ماشيين جنب بعض مش وشكم فى وش بعض، ده بيقلل حدة المناقشة للنصف على الأقل).. أرد: (إنتي مش هتبطلي فلسفة وفزلكة وتعملي فيها أم العُريف!، علم نفس إيه وحدة مناقشة إيه وزفت إيه! إنتي بتخرجي بره الموضوع بأى هري وخلاص).. تكمل كلامها بدون ما تبص فى وشي وتقول: (يعني إنت فى الرد بتاعي أخدت بالك من كل كلمة قولتها وتجاهلت الكلمة الوحيدة اللى المفروض كنت تاخد بالك منها!).. سألت بعصبية: (أنهي كلمة!).. قالت: (حد بتحبه).. لساني إتلجم فكملت كلامها: (بحبك يا أيمن وده اللى بيخلّيني أصبر ومش عايزة أخسرك).. الكلمة فوقتني وحسستي إزاى إن ممكن وبسبب إنت شايفه طبيعي وعادي تخسر من إيدك جوهرة، وإن مهما كانت الظروف عندك صعبة لازم على الأقل تكون باعد تأثيرها عن أهم وأعز شخص فى حياتك.. قدام سخافتي معاها وقلة ذوقي فى مواقف كتير وإحراجي ليها قدام ناس عزيزة على قلبها ويهمها تحافظ على صورتها عندهم؛ كنت بلاقي منها صبر، تحمل، وتفويت أنا نفسي كنت بستغربه ليه يعني!.. البنت دي شايفة إيه حلو فيا أنا مش شايفه فى نفسي عشان تتمسك بيا رغم كل اللى بعمله فيها.. بس هي قالتها خلاص.. حد بيحبك.. “هدير” كان عندها ألف سبب مقنع عشان تبعد وتمشي، ومابعدتش!
- الرسالة الثانية:
أنا “نورهان”.. 23 سنة.. مخطوبة أنا و”إسلام” من 7 شهور.. هو إنسان محترم وذوق ووسيم وعمره ماضايقني فى حاجة.. يمكن بس الحاجة الوحيدة اللى بتعمل بينا مشاكل هي إني أوقات كتير مش بقدر أحكي إيه اللى مزعلني، وهو بيصمم يعرف!.. بيصمم يعرف اللى أنا نفسي مش عارفاه إنت فاهم!.. بص هي الأزمة فيا أنا.. أنا مزاجي بيتغير بسرعة كبيرة.. أنا مش عارفة أنا عايزة إيه.. يمشوا ولا يقربوا.. عايزة الزحمة ولا الوحدة.. أكتر جملة معبرة عن التناقض و الـ Mood بتاعي حالياً هي: (أنا عايزة أبقي لوحدى!، ماتسيبنيش يا عم إنت!).. لما عملت عملية الزايدة الدودية كان هو مسافر بره مصر بسبب الشغل وأنا ماكنتش عارفة موضوع السفرية لأننا ماكناش بنتكلم قبلها.. بس لما حصل وتعبت ورغم إن أنا اللى كنت مزعلاه كان بيتصل بيا كل يوم 3 مرات لمدة أسبوع!.. يعني تقريباً 21 مكالمة أقل مكالمة فيهم كانت 10 دقايق.. لما رجع من السفر رحت زورته فى مكتبه فى الشركة اللى بيشتغل فيها وسابني وقام عشان يخلص حاجة وعيني جت على رزمة ورق أول واحدة فيهم كانت فاتورة موبايله وإستغربت إن المبلغ اللى فيها كان كبير بشكل غبي!.. الله الله كان بيكلم مين البيه!.. كان مع الفاتورة كشف بالأرقام.. بصيت فيه.. لقيت رقمي هو اللى كان متكرر بالمكالمات اللى قولت لك عليها دي وماكنش بيكلم حد غيرى أنا ووالدته بس لما كان مسافر!.. من إرتفاع سعر الفاتورة عرفت موضوع السفرية وعرفت أنا غالية عنده قد إيه وفهمت إن معايا كنز إسمه “إسلام”.. ونفسي كمان يفهم إن أنا مش فاهماني ولو فيه حاجة واحدة متأكدة منها هتبقي إني بحبه.
- الرسالة الثالثة:
أنا “أنيس”.. راجل عجوز شوية عنك وعن باقي قراءك يا تامر.. عندي 62 سنة.. غلطات البني آدم ثابتة ومش بتتغير من بدء الخلق ولحد قيام الساعة.. هيفضل غبي وهتفضل تصرفاته المتسرعة هي اللى متحكمة فيه ومعاها حكمه المسبق عن غيره بدون دليل!.. من 40 سنة وتحديداً لما كان عندي 22 سنة كنت بستعد عشان أتجوز زوجتي وأم أولادي.. بسبب التحضير لجوازي وسفري قبلها للسعودية عشان أكون نفسي للأسف بعدت غصب عني عن كل أصدقائي.. أنا كنت صديق ممتاز.. اللى بيحتاجني بيلاقيني.. عشان كده إستغربت نفسي إني لما كنت بنزل أجازة ورغم إنها المفروض تكون فترة هدنة بتتكرر مرتين فى السنة إني ألاقي نفسى وسط أصحاب العمر والعِشرة والجيرة.. بس اللى بيحصل إنى كنت بوصل مصر وأنا مكتئب بسبب حالتي النفسية السيئة عشان الغربة اللى خدت مني أكتر ما إدتني.. لدرجة إني لما بوصل مصر ماكنتش بروح أزور خطيبتي وكانت هي اللى بتيجي تزورنا!.. أنا كمان ماكنتش بخرج من أوضتي وكإني عايز ألزق فى الحيطان والسرير والدولاب بتوعي عشان أبقي جزء منهم وما أرجعش تاني.. كنا 5 أصحاب.. العزلة اللى كانت غصب عني إتقابت منهم بـ وجهة نظري غلط عني.. “أنيس” شايف نفسه علينا.. إتغر.. بقي أليط.. مش مهتم يقعد معانا ولا يعبرنا.. مطنشنا.. مستكبر.. كلام بيوجع كتير إتقال منهم عني رغم إن محدش منهم كلف خاطره وجه إتكلم معايا مثلاً وسألني أنا فيا إيه!.. لأ.. الإتهامات إترصت وإتوجهت وشعور ممتع طبعاً وفى قمة السهولة إنك تطلع غيرك وحش لأي سبب.. ماحستش بنفسي غير وأنا داخل عليهم فى القهوة اللى كانوا متعودين يقعدوا عليها وسلختهم بالكلام.. إنتم معندكمش دم.. إنتم قللات الأصل.. إنتم شوية عيال ومافيكمش من ريحة الرجولة حاجة.. خلّتهم فُرجة قدام المكان كله ومشيت.. وهما ما صدقوا لأن طبعاً “أنيس” اللى كنا شايفينه بقي وحش بيأكد ده دلوقتي بالحركة اللى عملها معانا دي.. وبعدوا كلهم!.. بعدوا بعدوا.. حتى “عبدالرحمن” اللى كان المفروض أقرب واحد ليا فى الدنيا.. بعد هو كمان.. قلت مش مشكلة وأهي المواقف بتغربل الناس.. ماستغربتش وقولت بيني وبين نفسي فى داهية.. أنا مغلطتش فى حد واللى حصل مني ماكنش أكتر من رد فعل.. مشيت فى إستعدادات جوازي عادي جداً وجوايا جرح عمقه بعدد السنين اللى حسيت إنها راحت هدر فى تنقية الصحاب اللى تقدر تقول عنهم بالفُم المليان دول اللى طلعت بيهم من الدنيا.. جه يوم الفرح وكل الأهل والحبايب جُم نوروني.. فى وسط الهيصة دخل أصحابي الأربعة!.. دخلوا بـ زفة دمياطي كاملة!.. أبويا وأمي الله يرحمهم ومراتي بصوا لي منتظرين يشوفوا رد فعلي!.. والحقيقة اللى أهلي مايعرفوهاش إن أنا كنت مصدوم زيي زيهم وأكتر.. ماحستش بنفسي غير وأنا فى حضنهم واحد واحد وبنرقص ونغني.. دموعي ودموعهم نزلت.. أخدتهم عشان أعرفهم على العروسة فبقول لها: (أصحاب عمري وإخواتي اللى رغم الزعل جُم بدون دعوة).. “عبدالرحمن” ضربني على وشي وقال: (الدعوة دي تبعتها ويستناها الغريب يا حمار، مش الدعوة اللى هتخلّينا نيجي وعدمها هيخلّينا نتلكك عشان مانشوفش وشك).. أنا إتعلمت وهما كمان إتعلموا أهم درس من الأزمة دي ولحد النهاردة صداقتنا بيتحاكي بيها أولادنا وأحفادنا.. الناس مايتحطوش مع بعض فى كفة واحدة من ناحية الغلاوة والمحبة.. بدون الصبر والتحمل وتمييز الحبيب عن غيره وإلتماس ألف عذر له هيبقي زيه زي الغريب!.. و في نفس الوقت ماينفعش إن الواحد يسوق فيها ويعتمد إن التاني هيفوّت وخلاص.. لأ.. خلّى شوية عليا وشوية عليك.
- الرد:
معدن اللي قدامك هيبان بوضوح لما تكون مش فى أفضل حالاتك، ولما تضغطه غصب عنك، ولما تِظهر قدامه نقطة ضعفك، ولما تحتاجه فى خدمة أو وقفة جدعنة.. ده المعيار اللى بيفرق حد عن حد.. فى نفس الوقت ولأن فى الزمن ده محدش فاهم نفسه 100% فالناس اللى مش بيقدروا يعبروا ويقولوا هما مالهم لما بيكونوا متضايقين؛ مش معقدين ولا مجانين قد ما بس فعلاً فيه لحظات كده الواحد بيكون مش قادر يستجمع شجاعة الحكى.. عايز بس مش عارف.. الحل الوحيد إنك تخليك قريب منه وتخلّيه ضامن إنه لما يعوزك تسمعه هيلاقيك.. بدون إلحاح، بدون فضول، وبدون السؤال الممل : (مالك ؟).. الناس بتبان فى الخلاف والزعل.. وزي ما قال أ.”أنيس” ومن قبله عمنا الموسيقار العبقري “سيد مكاوي” الله يرحمه: (خلّى شوية عليا وشوية عليك).. والأهم ماتفوتنيش أنا وحدي.