“ضي عيني!”
السيدة”هبة السيد رجب” زوجة مصرية عندها حوالي 33 سنة.. متجوزة “خالد البدوي” من 14 سنة وعملوا أسرة بسيطة.. عندهم 3 أولاد أكبرهم عنده 12 سنة.. من 7 سنين وفجأة أصيب “خالد” بالكبد والفشل الكلوي وفيروس بى وهشاشة فى العظام وبقى يحتاج يروح المستشفى عشان الغسيل الكلوى ثلاث مرات أسبوعياً.. طبعًا بسبب ظروفهم اللى كانت صعبة شوية ماكانوش يقدروا يروحوا المشوار الأسبوعي ده بـ كرسي متحرك عشان يقعد عليه “خالد” أثناء حركتهم!.. طب والحل؟.. مفيش وقت ولازم جلسات الغسيل الكلوي تبدأ فى أسرع وقت، وبرضه مش هنمد إيدينا لحد.. بتيجي الفكرة فى راس “هبة” اللى بتبدأ تنفذ فوراً.. أنا هشيل “خالد”!.. تشيليه إزاي يعني!.. هشيله على ضهري وهمشي بيه!.. الكلمة ماكانتش مجرد فنجرة بُق من زوجة كانت حابة تعمل 7 رجالة فى بعض لكنها كانت بتقصدها 100%!.. بقت تشيل “خالد” على ضهرها من بيتهم فى المرج الجديدة لـ مركز غسيل الكلي فى حلمية الزيتون.. من سريره للسلم ومن السلم للتوك توك ومن التوك توك للمترو ومن المترو للتوك توك تاني ثم لسلالم المركز الطبي طلوعاً وبعدها نزولاً ثم للتوك توك تالت ثم للمترو وللتوك توك رابع ثم لسلالم بيتهم ثم لفرشته علي سريره!.. 3 مرات فى الأسبوع.. بدون ما تشتكى ولا تطلب مساعدة من حد.. مش كده وبس دى كمان كانت بتشتغل الصبح عشان تقدر توفر فلوس تسد بيها العجز المادى اللى حصل عندهم لما جوزها قعد فى البيت!.. “هبة” بتقول: (لو ماكونتش أنا هشيله مين هيشيله!، ومش هسيبه أبدًا مهما تعبت عشان أقدر أرد له جزء من عطفه وكرمه وحنانه ومحبته ليا لحد ما يرجع يقف تانى بالسلامة على رجليه).. جوزها “خالد” بيقول: (مراتى شالتنى واتبهدلت معايا كتير وعرضت عليها أطلقها عشان البهدلة لكن هى رفضت، وقالت لى أنا معاك وهفضل أشيلك لحد ما عمري يخلص).
- السنة قبل اللي فاتت كان الصديق والدكتور الشاب “مصطفى الدميرى” واحد من الشباب اللى خرجوا للشارع عشان يقولوا تيران وصنافير مصرية وإتقبض عليهم وخرجوا براءة بعد كده.. “مصطفي” وقت ما إتمسك كانت معاه خطيبته “أروي” اللى كانت لسه مخطوباله بقالهم 6 شهور بس، واللي بداية علاقتهم أساسًا كانت لما” مصطفي” إتبرع بالدم لـ واحدة مايعرفهاش عملت حادثة بعربيتها فى 6 أكتوبر، واللى مع الوقت بقت هي “أروي” خطيبته!.. بسرعة و فى وقت قياسي حبوا بعض وكان بينهم نقاط كتير مشتركة وبتساهيل ربنا حصلت الخطوبة.. أسرة “مصطفي” وبالذات والده اللي كان عصبي وشديد فى التعامل مع أولاده كان أصلاً ضد فكرة نزول “مصطفي” للشارع فى اليوم ده.. بالتالي لما إتقبض عليه مشاعر والده تعاملت مع الموقف بكتير من الشدة!.. كلام بقي من نوعية: (خلّوه كده مش هو اللى عمل اللى فى دماغه، يستاهل، أنا حذرته، هما هيأدبوه).. الحقيقة إن الموضوع ماكنش مأثر نفسياً فى “مصطفي” اللي كان فاهم دماغ والده شوية فماكانش متوقع منه دعم ولا سندة وكان شِبه متأكد إن لو حصل له حاجة؛ والده هياخد وقت عقبال ما يبدأ يتحرك يلحقه!.. كل اللي كان شاغله وقتها هو “أروي”!.. إيه اللي حصل وراحت فين وإتمسكت ولا قدرت تزوغ.. فى تحقيق النيابة وكيل النيابة بيسأله: (إنت بقى “مصطفى” اللى دماغنا إتدوشت بسيرته؟).. “مصطفى” اللى كان عارف إن لا ليه ضهر ولا معاه كوسة عشان تتوسطله سأل: (مش فاهم).. وكيل النيابة قال: (قريبتك اللي إسمها “أروي يونس” طول التحقيق معاها عايزاك تطلع ولما جه معاها محامي كانت عايزاه يحضر معاك برضه).. “مصطفىي” بيقول بعد ما خرج إنه فى اللحظة دى حس قد إيه إن إختياره لشريكة حياته كان صح.. وكيل النيابة كان ودود وسنه قريب من سن “مصطفى” فالموضوع خلص بشكل إجرائي سريع وخد إخلاء سبيل من سراي النيابة بعد دردشة بس قبل ما يخرج وكيل النيابة بيسأله بإستغراب: (لحظة إنتم فعلًا مش قرايب؟).. سأله: (إحنا شبه بعض أوي؟).. رد: (جدًا!، مش قرايب بجد؟).. رد “مصطفي”: (لأ والله).. سأله: (أوُمال؟).. رد: (أكتر.(
- الإنبوكس:
أنا “عبدالرحمن إبراهيم”.. عندي 29 سنة.. إحنا أسرة على قدنا من قرية.. الناس ممكن تفتكر إننا عشان من قرية يبقي عندنا أراضي وبنلعب بالفلوس لعب وعندنا اللى نشيله للزمن حتي لو ده ماظهرش على هيئتنا؛ لكن ده مش صح ما هي القري زي ما فيها أصحاب أطيان وناس مقتدرين فيها برضه ناس بيمشوا يوم بيوم.. أبويا موظف فى هيئة البريد، وأمي مش بتشتغل طبعاً، ومعنديش إخوات.. كان ساكن معانا فى البيت جدتي أو “ستي” زي ما كنت بناديها.. ستي حتة من رحمة ربنا اللى نزلت من السما للأرض.. لما بنده عليها وترد كانت تقول لي: (نعم يا ضي عيني).. لما أتعب تقول للناس: (ضي عيني بعافية).. لما أنجح فى سنة دراسية تقول للناس: (ضي عيني طولّنا السما بكفوف إيدينا).. أغيب عن البيت لأى سبب أو أسافر رحلة مع أصحابي أو عشان أخلص ورق تقول: (ضي عيني واخد حتة من قلبي وياه).. خلاص بقت معروفة إن “عبدالرحمن” هو “ضي عين” الست “عائشة”.. ربنا كرمني ودخلت كلية هندسة.. طبعاً مع مستوانا المادي والمعيشي بيبقي دخولي المكان ده مسألة محفوفة بالمخاطر ومافيهاش أي ضامن للإستمرار طول السنين الطويلة بتاعتها وسد مصاريفها اللي ما بتخلصش.. ده غير السكن لأن كليتي كانت فى القاهرة.. ظروف أبويا كموظف فعلاً ماكانتش كويسة، ولما بفتكر الإحراج اللى هو كان فيه وأنا بتكلم معاه فى الفلوس اللى أنا عايزها عشان الكلية وأنا باصص فى الأرض بخجل من نفسي!.. يمكن إحراجه وقتها ضيع فرحته بدخولي الكلية.. بس هعمل إيه، وهطلب من مين!.. أنا أصلاً تعمدت أكلمه بيني وبينه مش قدام لا أمي ولا ستي عشان محرجهوش.. رميت طلباتي قدامه ومشيت كإني عايز أهرب من سماع رده.. لسان حالي كان بيقول بيني وبين نفسي: (مش هو كان عايز يفرح بإبنه!، وأهو أنا عملت اللى عليا ودخلت هندسة؛ يبقي يتصرف بقي أنا مليش فيه!).. لما إتحركت من قدامه سمعته بيقول لى من ضهري: (حاضر يا “عبدالرحمن” ربنا يدبرها).. قال كده وأنا عارف إنها مسدودة قدامه من كل ناحية.. فى نفس اليوم بالليل قمت عشان أدخل الحمام.. كان بعد آذان الفجر بشوية.. أبويا خلص صلاة وقعد قدام باب البيت يشرب سيجارة زي ما بيعمل كل يوم.. شفت ستي خارجة تقعد جنبه على الدكة الخشب جنب الباب.. غصب عني قربت من الشباك المقفول اللي فوق الدكة عشان أشوفهم وأسمع بيقولوا إيه.. سمعتها بتقول له: (هنعمل إيه يا “إبراهيم”؟).. رد عليها: (هنعمل إيه فى إيه يا أمي!).. قالت: (فى موضوع “عبدالرحمن”).. أبويا قال: (وإنتي مالك يا أمي!، أنا هتصرف إن شاء الله ومش عايز منك غير دعوتين ربنا يفتح السكك).. قالتله: (العبد فى التفكير والرب فى التدبير، وهنتصرف سوا).. قال لها: ( يا أمي الله يرضي عنك ماتزوديش تعبي، قولتلك أنا هتصرف والله).. طبطبت عليه وباست كتفه وهو باس دماغها.. غصب عني دموعي نزلت إنى حاطط أهم ناس ليا فى الدنيا فى الموقف ده.. لدرجة إنى فكرت أسيب الكلية وأنقل ورقي خصوصاً إن لسه فيه وقت والدراسة هتبدأ لسه كمان شهر ونصف تقريباً.. عدي أسبوع والتاني والتالت وأنا خلال الفترة دي كلها بتحاشي أتكلم مع أبويا خالص على قد ما أقدر عشان مايفتكرش إني بضغط عليه.. فى نصف الأسبوع الرابع لقيت أبويا داخل عليا الأوضة وبيقول: (مش هتنزل مصر تشوف السكن والمصاريف ولا إيه!).. وقفت من على السرير بس شاورلي إني أفضل قاعد وطلع فلوس من جيبه وإدهالي: (خد وكفاية الوقت اللى ضاع، قولتلك ربنا هيدبرها وأهو دبرها).. كان على طرف لساني أسأله منين وإزاي بس مقدرتش أسأل.. بس هو فهم و رد عليا بإبتسامة خفيفة كده كإنه بيقول لي مالكش دعوة بقي.. دخلت الكلية ويشهد ربنا إن أبويا ماقصرش معايا في أى حاجة خلال سنينها.. اللى كنت بطلبه كان بييجي وباخده.. عدت السنين بسرعة مرعبة ووصلت لآخر سنة وبعد آخر إمتحان فى التيرم التاني كلمني أبويا وصوته مخنوق وبيقول لي: (تعالا عائشة عايزة تشوفك).. اللي كنت عارفه فى آخر كام شهر إن ستي تعبانة شوية بس صوتها فى التليفون لما كنت بكلمها كان مبهج وبتضحك ومش بتبين حاجة لكن واضح إن الموضوع دخل فى تطور مرعب.. بدون حتى ما أعدي على الشقة اللى مأجرها ولا آخد معايا هدوم طلعت من الكلية على البلد.. زي ما توقعت كانت ستي بتحتضر، وعمري ما هنسي اللحظة اللى مسكت فيها إيدي وقالت بدون صوت وهي بتحرك شفايفها: (يا ضي عيني).. إتوفت وماتت معاها حاجات كتير جوا كل واحد فينا.. الدنيا بقي طعمها ماسخ.. بس ورغم مساختها دي لازم تمشي.. بعد فترة العزاء والحداد كان لازم أرجع القاهرة عشان الشهادة وأشوف هعمل إيه فى الشغل وهتدرب فى مكان ولا إيه الخطوة الجاية.. صليت الفجر وإستعديت عشان أخرج من بيتنا فى البلد.. لقيت أبويا قاعد على الدكة الخشب جنب باب البيت بيشرب سيجارة.. حطيت الشنطة وقعدت جنبه.. سألني: (نويت؟).. هزيت دماغي وقولتله: (أيوه).. قال: (ربنا معاك).. قلت: (وحشتني دعوتها).. أبويا مسك دموعه بالعافية وقال: (الله يرحمها ويصبرنا).. حاولت أغير الموضوع وبوست دماغه وقولتله: (أنا عارف إنك مش مستني مني شكر بس وقفتك جنبي فى الكلية دين فى رقبتي لآخر العمر، كنت عايز أقول لك كده بعد ما أخلص آخر إمتحان بس بسبب الظروف اللي حصلت).. رد بدون ما يبص عليا: (إدعيلها هي مش أنا).. سألت: (هي مين؟).. رد: (اللي كنت ضي عينيها).. سألته: (إزاي؟).. ماردش.. لأول مرة فى حياتي أهز أبويا من كتفه عشان يبص لي وأنا منفعل وسألته تاني: (إزاي فهمني؟).. قال: (كل فلوس مصاريفك من ستك، نزلت إشتغلت، كانت بتجيب خضار من الفلاحين وتروح السوق فى البلد اللى جنبنا كل يوم وتبيعه).. الصدمة خلّتني خرست!.. كمل كلامه: (ومش شغلانة واحدة، شغلانة وإتنين وتلاتة، كان كل همها تجمع فلوس على قد ما تقدر عشان تساعد إبنها وحفيدها لما شافتهم عاجزين، كانت بتشتغل ولا بنت الـ 20 مش واحدة عندها 83 سنة).. قلت بحدة: (وإنت إزاى سيبتها، وإزاي محدش قال لى؟).. رد بعصبية: (ماكونتش أعرف وكانت قايلالي إنها عاملة كذا جمعية من ورايا، وأنا عملت نفسي مصدق، وعرفت بالصدفة لما نزلت المركز ولقيتها واقفة على نصبة شاي قدام المحكمة وبتبيع ساندوتشات طعمية وفول).. خبطت دماغي فى الحيطة وأنا بقول بدون وعي: (يا الله.. يا الله.. يا الله).. أبويا قال: (ستك كانت بتحبك، وكانت بتقول ضي عيني مايباتش مكسور).. من غير من أحس دموعي نزلت وصوتي طلع بالعافية وأنا بقول له: (أنا كنت فاكرك إنت اللي جيبت الفلوس).. رد: (ياريت بس منين!، أنا شغلي من 8 الصبح لـ 5 المغرب، واللى جاى على قد اللى رايح، ولا كان عندي وقت ولا صحة).. كمل كلامه وقال: (أجدعها راجل ما يقدرش يعمل اللى تقدر تعمله واحدة بتحب).. النهاردة أنا مهندس فى شركة مقاولات كبيرة بتشتغل فى العاصمة الإدارية الجديدة.. مرتبي ممتاز.. إتجوزت.. عمري ما نسيتها.. أهم سبب فى أى حاجة كويسة شوفتها أو بشوفها أو هشوفها هي ستي “عائشة”.. ستي ذكري وفاتها 11 أكتوبر.. اللي هو هو نفس تاريخ اليوم العالمي للفتاة.. شوفت الصدفة يا “تامر”!.. أصل لو ماكانتش ستي هي إختصار معني كلمة الست هيبقي مين!.. ربنا يرحم إنسانة ماقصرتش معايا فى أى حاجة، ويرزقها راحة وجنة بقدر ما إدتني أكتر من اللى كنت محتاجه.. أنا ضي عين أنضف إنسانة جت على وش الدنيا.
- الرد:
بنت حواء بشكل عام لما بتحط حد فى قلبها بتديه اللى محدش بياخد زيه.. بتعمل عشانه اللي هي وعشان بتحبه بتشوفه سهل؛ رغم إن أى حد غيرها لو بص على الموضوع من بره هيشوفه مستحيل.. الضعف بيتقلب قوة، والجسم بيبقي جبل يشيل كتير.. بنت حواء بشكل عام بقي.. تكون زوجة، حبيبة، جدة.. مش مهم.. في كل الحالات ومهما إختلف مسماها إن واحدة تحبك دى مسئولية وثقة.. دي إنسانة بتقرر تديلك قلبها بكامل إرادتها؛ مفيش لا أغلى ولا أهم من كده عندها.. بالتالى تستغرب لما تسمع عن حد بيتفنن يذل ويهين ويبهدل اللى سلمته قلبها، وكإنه عايز يقول لها إنتى غلطان إنك حبتينى!.. أجدعها راجل ما يقدرش يعمل اللى تقدر تعمله واحدة بتحب.. واحدة بتشوفك ضي عينيها.