وزير الأوقاف: إذاعات القرآن الكريم دورها عظيم في خدمة كتاب الله ومواجهة التطرف
شارك الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، اليوم الخميس، في المؤتمر الخامس لمسئولي إذاعات القرآن الكريم، التابع لاتحاد الإذاعات الإسلامية، والذي تنظمه الهيئة الوطنية للإعلام، تحت عنوان: ”دور إذاعات القرآن الكريم في توحيد المفاهيم والتقريب بين المذاهب الفقهية والرد على الشبهات”، بحضور محمد سالم ولد بوك، المدير العام لاتحاد الإذاعات الإسلامية، والدكتور إسلامو سيد المصطفى، وزير سابق بموريتانيا، والدكتور أحمد القاضي، من كبار مذيعي إذاعة القرآن الكريم الذي أدار اللقاء، وعدد من مسئولي الإذاعة المصرية وإذاعات القرآن الكريم في الدول الإسلامية.
وفي بداية كلمته، أكد وزير الأوقاف، أهمية دور إذاعات القرآن الكريم في خدمة كتاب الله تعالى قراءة، وتجويدًا، وتفسيرًا، ومن كل الجوانب المختلفة، وسيظل دورها عظيمًا في خدمة كتاب الله تعالى، وفي نشر الفكر الإسلامي الصحيح، ومواجهة وتفكيك الفكر المتطرف الذي يدعو إلى الغلو والتشدد والعنف، ولكن الأمور تتسارع وهناك مزاحمات كثيرة عبر وسائل الإعلام المختلفة، لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي، فما كان أمس كافيًا لم يعد اليوم كافيًا، فينبغي ألا يقتصر الأمر على المحافظة على إنجازات الماضي، ولكن يجب أن ننظر إلى ظروف العصر ومستجداته، وبصفة خاصة إذاعات القرآن الكريم التي تشارك في صنع المنتج العلمي والثقافي الديني، مما يجعل لها الأثر البالغ في ترقية الحس الإيماني وترسيخ القيم الأخلاقية السامية من السماحة واليسر.
وأكد جمعة، أننا نحتاج إلى نمط جديد في التعامل مع الخطاب الديني، لافتًا إلى أن قضايا التدريب في وزارة الأوقاف حققت نقلة نوعية كبيرة، حيث أنهم تحولوا من الحفظ والتلقين إلى منهج النقد والفهم والتحليل، فهناك أسئلة يديرها العقل حول النقل، هل قال؟ من قال؟ ماذا قال؟ لماذا قال؟ كيف نطبق ما قال؟، فالسؤال الأول متعلق بمدى ثبوت القول وصحته، بمعنى هل هناك نص أصلا في المسألة أو لا؟ وإن كان هناك نص فهل هو نص ثابت من كتاب أو سنة أو نص متغير من كلام الصحابة أو التابعين أو أهل العلم؟ ويأتي السؤال الثالث ماذا قال؟ متعلقًا بفهم النص، فإن كان من كتاب الله (عز وجل) فلا بد من استخدام أدوات فهمه، وإن كان من سنة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لزم جمع طرق الحديث ورواياته المتعددة والترجيح أو الجمع بينهما عند اختلاف الرواية، وفق القواعد المعمول بها لدى أهل العلم في ذلك، ثم يأتي السؤال الرابع لماذا قال؟ باحثًا في العلة والمقصد، فإطلاق الأحكام الفرعية دون النظر إلى العلل والمقاصد أمر في غاية الخطورة، بل إنه قد يؤدي إلى الإطلاق الخاطئ للأحكام، ويكون سبيلاً للجمود والتطرف في الفهم عند من يقفون عند مجرد ظواهر النصوص دون سبر أغوار مقاصدها ومراميها، لذا قامت وزارة الأوقاف بإخراج كتاب الفهم المقاصدي للسنة النبوية، ثم يأتي السؤال الأهم: كيف نطبق ذلك؟ بما يشمل ظروف الواقع ومستجداته ومناط التطبيق وتنزيل الحكم على مناطه وليس على غير محله، مضيفًا أن علماءنا الأوائل اجتهدوا لعصرهم في ضوء ظروفهم وأحوالهم، وأن علينا فيما يتصل بالمتغيرات، والمستجدات أن نراعي ظروف عصرنا وأحواله، يقول ابن القيم (رحمه الله): ومن أفتى الناس بِمجرد المنقول في الكتب على اختلاف أعرافهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضَلَّ وأَضَلَّ .
وفي ذات السياق تناول وزير الأوقاف كثيرًا من الأمثلة التي تدلل على هذه المعاني وتبين كيف نجعل من النصوص الشرعية وسيلة عصرية للخطاب الدعوي وعلينا أن نعمق ثقافتنا أكثر مما نحن عليه الآن، مبينًا أن تصرفات النبي (صلى الله عليه وسلم) في إدارة الدولة تختلف؛ فإنه لم يكن نبيًا فحسب، وإنما كان نبيًا ورسولًا وحاكمًا، وقائدًا عسكريًا، فما تصرف فيه باعتباره نبيًا ورسولًا فيما يتصل بشئون العقائد، والعبادات، والقيم، والأخلاق، وصح نسبته إليه (صلى الله عليه وسلم) أُخذ على النحو الذي بينه (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه، ولا يختلف أمر البيان فيه باختلاف الزمان أو المكان، لأنه من الأمور الثابتة، أما ما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم ) بصفته نبيًا وحاكمًا، أو بصفته نبيًا وقائدًا عسكريًا ، أو بصفته نبيًا وقاضيًا، فهو تصرف باعتبارين: باعتباره (صلى الله عليه وسلم ) نبيًا وحاكمًا أو نبيًا وقائدًا ، ومما تصرف فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) باعتباره قائدًا عسكريًا قوله (صلى الله عليه وسلم) : “من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه” فلا يجوز لأحد الآن أن يفعل ذلك، فإذا قتل إرهابيًا في مواجهة إرهابية فلا يجوز له أن يقول: أنا أولى بسلاحه أو سيارته وهاتفه وما كان معه من أموال ، لأن تصرف النبي (صلى الله عليه وسلم) كان بصفته حاكمًا وقائدًا عسكريًّا، إنما يلتزم في ذلك بما تنظمه القوانين والدساتير العصرية ونظام الدولة.
وفي ختام كلمته، وزير الأوقاف مثلاً لعمق فهم القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: “قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا” في سورة مريم، وكذلك قوله تعالى: ” قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ” في سورة آل عمران، فإن الكل يعلم أن الليل سابق على النهار، فتبدأ أمة الإسلام بمطالعة هلال رمضان في الليلة الأولى وإن ثبت الهلال وجب الصيام، مما يلمح منه أن القرآن الكريم جعل السابق في الزمن سابقًا في النزول، وما كان لاحقًا في الزمن كان لاحقًا في النزول، وهذا من النكت العظيمة في القرآن الكريم، وعددًا من الأمثلة العصرية وفهم بلاغة القرآن الكريم ومقاصده ومقاصد الحديث النبوي الشريف .
كما أعرب ،عن استعداد أكاديمية الأوقاف لتدريب الأئمة والواعظات لتدريب نخبة من شباب العاملين بإذاعة القرآن الكريم بمختلف دول العالم من خلال التنسيق مع الهيئة الوطنية للإعلام.