الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

اقترب إلى الله

القاهرة 24
الأربعاء 04/ديسمبر/2019 - 05:49 م

يوصينا بولس الرسول بقوله: “كُونوا في الرَّجاءِ فَرحين وفي الشدِّةِ صابرين وعلى الصلاةِ مُواظبين”(رو12:12). هل الصلاة هي فرض علينا، نسعد عند الانتهاء منه، لأننا قمنا بالواجب؟ أم هي لحظة اختلاء صافية بين الإنسان وخالقه؟ أي مكانة تحتل الصلاة بين أعمالنا ومشاغلنا اليومية؟ يُحكى أن فلاحاً بسيطاً كان يخرج صباحاً للعمل في حقله ويعود إلى بيته في ساعةٍ متأخرة، واكتشف أثناء وصوله للحقل بأن نسى كتاب الصلوات، وكان قلقاً لقضاء اليوم دون تلاوة صلواته، فاضطر أن يصلي هكذا: “يا رب أنا أخطأتُ في حقّك لأنني خرجتُ من منزلي هذا الصباح بدون كتاب الصلوات، وللأسف ذاكرتي ضعيفة لكي أتذكر الصلوات بدونه، ولا أستطيع أن أكوّن صلاةً واحدة. لكن سأفعل ذلك: سأردد ببطء كل الحروف الأبجدية خمس مرات، وبما أنك تعرف كل الصلوات، تستطيع أن تشكّل الحروف بطريقة تكوّن بها الصلوات التي يجب عليَّ أن أتلوها”. ثم قال الرب لملائكته: “هذه أجمل صلاة سمعتها اليوم، لأنها خرجت ووُلِدت من قلبٍ بسيطٍ وصادق”.

مما لا شك فيه أن سر عظمة الإنسان، ينبع من اتحاده الوثيق بالله عن طريق صلاته الحَقّة التي يرفعها إليه في كل حين والتي تقرّبه من الله خالقه. ونحن عندما ندعو الله في صلاتنا نتطهّر من خطايانا وذنوبنا، ويشع النور من جباهنا، ويعلو الصفاء وجوهنا، ونشعر كما لو كان لنا جناحين نسمو بهما فوق كل ما هو أرضي، كما أن الخوف يتبدد من حياتنا، لأن الذي يُحب حقاً لا يتطرق الخوف إلى قلبه نحو مَن يُحب، ولن نخاف من صعوبات ومتاعب الحياة اليومية، وسنصل إلى ختام يومنا لننام مطمئنين صافي البال، وعندما نستيقظ في اليوم التالي سنصبح متفاءلين ومغمورين بالأمل. فهل بعد هذه الميزات والنِعَم وغيرها مما تحمله لنا الصلاة؛ نتكاسل في القيام بها؟ لماذا نقتصر صلاتنا على سن الطفولة عندما كانا والدانا يشجّعان كل واحدٍ منّا لتلاوتها، أو عندما نصل لسن الشيخوخة لأننا نقترب من نهايتنا؟ إذاً، من يرفض الصلاة، عليه أن يستعد لاحتمال النتائج الوخيمة الناتجة عن بُعده من الله. وكما يقول الأسبانيDonoso Cortes : “الذين يصلّون يعملون في سبيل العالم أكثر من الذين يحاربون وإذا كان العالم يتحوّل من سيء إلى أسوأ، فالسبب أنه توجد معارك أكثر مما توجد صلوات”.

وهذا ما نستشفه في حياتنا اليومية، لأننا عندما نصلي تحلّ النعمة في قلوبنا، وتزداد ثقتنا في محبة الله لنا، وتدخل الطمأنينة إلى قلوبنا بفضل عنايته الإلهية، ولكن عندما تتلاشى الصلاة من حياتنا وينطفئ نورها بداخلنا؛ تنقبض النفس وينتشر الظلام داخل الإنسان. كما يجب أن نضع في الاعتبار أن الصلاة لا تؤتي ثمارها ونتائجها في القلب والعقل؛ إن لم تكن نابعة من الداخل وتكون حقيقية، ليست مجرد تمتمة الشفاه دون وعي ولا إدراك، لكنْ عندما يصلي الإنسان صلاة حقيقية ويقترب من الله متحدثاً معه بكل ثقةٍ وتواضع وطمأنينة، سيشعر بنِعَم وبركات الله في حياته، ويستطيع أن يلتجأ إليه في كل حين لأنه يقبل رجوعه في كل لحظةٍ مهما ابتعد عن الله أبيه، حينئذ ستشرق نفسه وينتعش قلبه ويتجدد نشاطه ويشعر بطمأنينة تغزو كل كيانه، وتنبعث فيه الحيوية، ويُنعش بالأمل روحه. ويقول العالم الشهير Correl: “يلجأ 5 % فقط من البشر إلى الصلاة الحقيقية، وهذا هو سبب التشويش واختلال التوازن في عالم اليوم. لأن 95% أعني بقية البشر ينقصهم الله لأنهم لا يصلّون حسناً”.

لا نستطيع أن ننكر نتيجة وتأثير هذه النسبة القليلة أو عدم الصلاة على معاملات البشر فيما بينهم. نحن نعيش عصراً من أصعب العصور، لأن الإنسان نسى الله ولكنه يفكّر في ذاته وفي المادة التي يضع فيها كل كيانه وثقته. فكلما ابتعدنا عن الله، ازداد الشر وانتشرت الحروب والكوارث والأطماع. لكن الصلاة بدون شك هي دواء لكل ما يشكو منه إنسان العصر، كما أنها تساعدنا على التعايش بمحبةٍ وتفانٍ والتحلّي بالصبر في الأفراح والأتراح، ومن يمتلك هذه الروح الحرّة بقوة الصلاة لا يمكن أن يشيخ. وإذا كان الأسف ينظر إلى الوراء، والقلق ينظر حوله، لكن الصلاة تنظر إلى فوق، لأن الإنسان العاقل والحكيم يتوكّل على رحمة الله وحنانه ويلتمس مشورته كل حين بقوة الصلاة. ونختم بالقول المأثور: “اسم الله برج منيع؛ يهرع إليه الصِدّيق وينجو من الخطر”.

تابع مواقعنا