بورسعيد الباسلة.. ورسائل الرئيس
التاريخ وحده سيسجل ما حدث على أرض بورسعيد خلال الأيام القليلة الماضية، فالرصد بالعين المجردة ربما لا يكون منصفاً، أو لا يستطيع أن يذكر الحقيقة بأكملها ويرسم صورتها المستقبلية المتوقعة، فرحلة تنمية محور قناة السويس التي شهدتها مدن الأقليم سيدركها الناس خلال السنوات المقبلة، لأن ما حدث ويحدث على هذه الأرض يشبه الإعجاز في عصر لا يعرف المعجزات، وإنما يؤمن بقدرة البشر على التحدي والإصرار في العمل.
القضية ليست في سلسلة إفتتاحات لمشروعات تنمية ببورسعيد وشمال سيناء وسعى حقيقي من الدولة المصري لإعادة بناء الانسان المصري وتطوير أنماط حياته، ولكن في مجموعة رسائل مهمة بعث بها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال هذه الافتتاحات، بعض هذه الرسائل معلنة ومباشرة وبعضها الآخر ضمني، لعل أبرزها هو أن الدولة المصرية لا تعقد صفقات من أي نوع على شبر واحد من أرض مصرية، سدد أبناؤها الثمن بدمائهم عبر التاريخ ولازالو، وأن ما يروجه الخونة وأعداء الوطن من أن مصر ستتنازل عن جزء من سيناء في إطار صفقة ما هي إلا “أوهام” و”أكاذيب” صنعتها منصات إعلامية معادية لمصر، تستهدف نشر الشائعات وإفساد العلاقة بين الشعب وقيادته السياسية، والتشكيك في كل إنجاز مهما كانت عظمته.. المهم هو التقليل من حجمه والتشكيك في قدرته!.
الرسالة الضمنية المهمة في رأيي، هو إختيار الرئيس للفظ “بورسعيد الباسلة” وهي الصفة التي غابت طويلاً ليس عن المشهد السياسي وربما الإعلامي أيضا، جاء اللفظ كنوع من “جبر الخواطر” لأبناء هذه المدينة من مصري مقاتل هو أدرى بحالهم، بعد سنوات عصيبة عانت فيها بورسعيد وشعبها البطل من التهميش والجحود خلال عقود حكم ماضية، تعرضت خلالها لعقاب غير مبرر من نظام سابق، ولإجراءات طالت أرزاق الناس وحياتهم اليومية.
وهنا فأنا لا أتحدث معتصباً كوني مواطناً من أبناء هذه المدينة الباسلة، وإن كان “تعصباً” فهو شرف لا أدعيه، للوطن مصر أولاً وأخيراً، فبورسعيد هي المحافظة الأولى التي أعلنت العصيان خلال العام الأسود الذي حكم فيه الاخوان، وهى أول محافظة يغلق أبناؤها محالهم التجارية ومصادر الأرزاق، ويعلنون العصيان المدني، في وجه دولة ” الارشاد” غير عابئين بالتهديدات أو مخاطر النزول إلى الميادين للهتاف والتظاهر ضد حكم المرشد، مما أعطي الشارع المصري مؤشراً في الحيوية والجاهزية لاستقبال ثورة 30 يونيو المجيدة.
قبل عقدين من الزمان أجريت حواراً مهماً مع اللواء سيد الشرقاوي ، وهو القائد المكلف بقيادة كتيبة الصاعقة (رائد محلي آنذاك) في معركة رأس العش الفاصلة، التي أوقفت تقدم المدرعات الاسرائيلية إلى بورفؤاد في نهاية يونيو عام 1967، تحدث لي ليس عن عظمة الجيش الذي رفض الهزيمة، ولكن عن وطنية مهندس مصري أرشد الكتيبة إلى منطقة “التربة الطينية” التي ستشكل عائقاً كبيراً في تقدم مدرعات العدو، وهنا ظهرت أهمية هذه الأرض ، التي كانت سبباً في بقاء مدينة بورفؤاد تحت السيادة المصرية حتي نصرأكتوبر المجيد.
الرسالة أن تكون هذه الأرض هي محور حفر الأنفاق الجديدة، التي تطلبت إعجازاً في معالجة التربة لتصبح قادرة على إستيعاب هذا العمل الضخم ، والأروع أن تحمل هذه الانفاق إسم “3 يوليو” في تأكيد من الدولة على أهمية هذا اليوم ، الذي ساندت فيه القوات المسلحة شعب مصر العظيم، عندما تدفق في مظاهرات مليونية يهتف بسقوط الإخوان و”دولة المرشد”.
الرسالة النبيلة بحق هي وجود جراح القلب الدكتور مجدي يعقوب في المقعد المجاور للرئيس أثناء إعلان إنطلاق مشروع منظومة التأمين الصحي الشامل من بورسعيد ، وحرص الرئيس على أن يكون العالم الجليل بصحبته خلال الرحلة بالكامل وحتى مستشفى النصر حيث وحدة قلب الأطفال.
الرسالة الأكبر للعالم وللمصريين ، أنه في الوقت الذي تجرى فيه كل هذه الأحداث على الأرض، كانت إحدى قواعد جزيرة جويانا الفرنسية، تستعد لاطلاق الصاروخ حاملا القمر الصناعي المصري “طيبة-1″.
القمر الجديد سيحقق نقلة نوعية في دعم أجهزة الدولة في مجالات مكافحة الجريمة والإرهاب، إلى جانب أغراض تنموية أخرى في الفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والريفية عبر تحسين خدمة الإنترنت في المناطق النائية.
عاشت مصر تضرب المثل في الارادة والتحدي ..وعاشت ” بورسعيد الباسلة” بوابة مصر الشرقية وأهلها الطيبون..