ملاحظات على هامش منتدى الإعلام السعودي
دون مبالغة، يمثل منتدى الإعلام السعودي الأول، إضافة حقيقية لخارطة الفعاليات على المستوى العربي والدولي، كما يعكس تجاوبًا حقيقيًا على الأرض مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، وبتزامنه مع تسلم المملكة العربية السعودية لرئاسة مجموعة العشرين، دلالات عديدة على الدور الفاعل أو المأمول من الإعلام السعودي خلال هذه المرحلة المهمة في عمر بلد بحكم وثقل المملكة اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا أيضًا.
حتمًا يقف خلف هذا المنتدى الضخم بجلساته المتنوعة وورش عمله الثرية وحضوره البارز من الإعلاميين والأكاديميين العرب والأجانب، لجنة تحضيرية وتنظيمية عملت في صمت وبمنتهى الجدية في فترة وجيزة، حتى ظهر المنتدى بهذه الصورة المشرفة جدًا والتي تليق بدولة تشهد موجة من التحولات الكبرى.
الحضور الجماهيري أيضًا لافت في هذا المنتدى، وقد سعدت كثيرًا بالوجوه الإعلامية التي أعرفها وتلك التي حظيت بشرف التعرف عليها والاقتراب منها فكرًا وتوجهًا ووعيًا؛ كما سررت لأبعد مدى حين وجدت طلاب وطالبات الإعلام منخرطين في هذا الحدث المهم، ليس فقط بالحضور وإنما المشاركة في التنظيم والفعاليات، وهنا يحدث التكامل بين النظرية والتطبيق، ويحدث الإثراء المنشود لصقل التعليم الإعلامي بالخبرات العملية مباشرة من أصحابها، ومن مدارس إعلامية متنوعة، مصر والشام والخليج، وأوروبا وأمريكا.
الملمح الأروع في هذا المنتدى، هو الحرص الشديد على إنجاحه، فقد شارك العديد من أصحاب المعالي الوزراء، في جلسات المنتدى وفتحوا عقولهم وقلوبهم بحوارات ونقاشات واعية جدًا، وبعضها حمل وعودًا مبشرة لحاضر ومستقبل الإعلام السعودي بحسب ما جاء في جلسة معالي وزير الإعلام السعودي وعلى مسؤوليته شخصيًا.
اللافت أيضًا، أن المنتدى جمع بين السياسي والإعلامي في واحدة من الجلسات التي ناقشت الدبلوماسية العامة ودور التكامل بين رجل الإعلام ورجل السياسة.
ولم يكن المنتدى بأي حال من الأحوال سرادق عزاء للإعلام التقليدي الذي يعاني مشكلات وتحديات لا حصر لها، (صحف ورقية مطبوعة، راديو كلاسيكي وتليفزيون سيتيناتي)، بل كان نافذة ورئة تنفس منها الحضور هواءً نقيًا نظيفًا يدق نواقيس الخطر لأزمات الإعلام التقليدي وتحدياته الرهيبة، كما يلفت الانتباه وبكل حسم، لمخاطر وتبعات الابهار الزائد في الإعلام التفاعلي الفوري ومنصات الإعلام الجديد بمختلف أشكاله، وبحضور رموزه وصناعه من المشاهير والمؤثرين، ليتكامل المشهد الإعلامي دون افتئات على الزمن أو تجاهل لأحكامه.
وبحسب موقعه الإلكتروني، يأتي شعار منتدى الإعلام السعودي في نسخته الأولى ٢٠١٩ تحت شعار: “صناعة الإعلام.. الفرص والتحديات”، وذلك انسجاماً مع التطورات التي تشهدها البيئة الاتصالية لوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث لم تعد صناعة الإعلام تتشكّل في إطار محلي محدود، وإنما أصبحت في فضاء عالمي مفتوح؛ لذا تزايدت الفرص نحو استثمار الواقع الجديد في بناء علاقات، واندماجات، وشراكات، وتفاهمات، ولعب أدوار، وتعزيز مصالح، كما أن الإعلام أصبح صناعة متقدمة جداً؛ ليس فقط في إعداد المحتوى، وإنما في استثماره لتحقيق أهداف أكبر من نشر المعرفة أو طلب المشاركة فيها، حيث أصبحت تلك الصناعة مصدراً لتغيير مفاهيم، وتغذية صراعات، وكسب أموال، مما يعني أن صانع الإعلام اليوم بحاجة إلى تنظيمات وسياسيات تمنحه فرصة استثمار الواقع الجديد، واستكشاف الاتجاهات والفرص التي تدعم الرؤى المستقبلية لتلك الصناعة، وإمكانية تحقيق عوائد منها على المدى القريب قبل البعيد.
المحتوى وسلوكيات الجمهور، الصحافة ودورها في التغيير ، الحملات الإعلامية العابرة للحدود وأدواتها، الرسالة الإعلامية والتحديات المعاصرة، خطط عمل الإعلام المنقول، الإعلام الحديث واضطراب الحقيقة، التوازن في حرب الإعلام الرقمي، برامج التوك شو ما لها وما عليها، الشباب في وسائل الإعلام الجديد، الإعلام ودوره في التعايش الإنساني، تأثير الصور في رواية الأحداث، التحول الرقمي في بيئة الإعلام، القوة الناعمة وقراءة في المشهد الاتصالي العربي، ميزانيات الإعلان، قمة العشرين، الشراكة مع القطاع الخاص في ظل الحوكمة، الحضور المهم للسعودية في خارطة الاستثمارات الدولية، الإعلام السعودي والمرحلة الجديدة، المشاهدة المدفوعة وهل تقصي نظيرتها التقليدية، استطلاعات الرأي، الإعلام وتأجيج الأزمات السياسية في العالم العربي، الإعلام وتغطية الحروب والأزمات، الحرب على الأخبار المضللة، حضور المرأة السعودية وتجربتها في الإعلام، صناعة الواقع الإعلامي، الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، مراكز الدراسات وصناعة الإعلام، العلاقات العامة بين الدعاية وصناعة الصورة، إعلام التحريض وتناقض الأجندات وإشكالات المهنة، صناعة الترفيه، مؤثروا التواصل الاجتماعي يصنعون عالمًا افتراضيًا .. هذه بعض من كل العناوين المهمة التي كانت محورًا للنقاش الثري المفتوح.
الملمح الأكثر بروزًا هو توظيف المنتدى عمليًا لكل أشكال ووسائط ومنصات الإعلام في نقل الحدث بالكلمة والصوت والصورة والانفوجرافيك والتفاعل، عبر روابط البث المباشر، والنقل الحي والفوري، بخلاف الحالة التي صنعها النشطاء إعلاميًا ممن اكتظت بهم قاعات وأروقة المؤتمر يسجلون ويبثون ويجرون اللقاءات، ويبثون الوقائع والماجريات لحظة بلحظة، ويديرون حسابات المنتدى على تويتر وغيره من المنصات، بينما يزين لوجو المؤتمر ركن التصوير المتميز للحضور والضيوف وتلك صور لا تسقط من الذاكرة بالتقادم.
هيئة الصحفيين السعوديين كانت حاضرة في كل كبيرة وصغيرة تنظيمًا وتخطيطًا وتنفيذًا، وقامات صحفية رفيعة تحيط بك في كل مكان؛ وتجسيد عملي واضح للمسؤولية الاجتماعية والشراكة المجتمعية في دعم هذه التظاهرة الإعلامية، لمست ذلك من عملاق النفط العالمي أرامكو السعودية، الشريك الاستراتيجي، وكذلك من الخطوط السعودية الناقل الحصري لضيوف المنتدى، وشركات وكيانات أخرى دعمت ووفرت أسباب النجاح.
أتصور أن هناك بعض النقائص، والكمال لله وحده، ويقيني أن النجاح الذي حققه المنتدى في نسخته الأولى والأصداء التي حظي بها، كفيلة لأن تصبح نقطة انطلاق يمكن البناء عليها في التخطيط لنسخة ثانية ونسخ دورية لاحقة، تتجاوز حدود المملكة وإعلامها، إلى افاق إقليمية ودولية أرحب، سواء في الطرح والنقاش أو مستوى الجوائز المرتبطة بالمنتدى، والشخصيات والمؤسسات الدولية، التي يعطي حضورها زخمًا إضافيًا لحدث بهذه الضخامة والأهمية.